للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للعقاب المستحقّ بما تقدّم من الأفعال، وإن كانت الإرادة متعلّقة بالإهلاك المستحقّ بمخالفة الأمر المذكور فى الآية فهذا الّذي تأبونه، لأنه يقتضي أنه تعالى مريد لإهلاك من لم يستحقّ العقاب.

والجواب عن ذلك أنه تعالى لم يعلّق الإرادة إلّا بالإهلاك (١) المستحقّ بما تقدّم من الذنوب؛ والّذي حسّن قوله تعالى: وإذا أردنا أمرنا ... هو أنّ فى تكرار الأمر بالطاعة والإيمان إعذارا إلى العصاة، وإنذارا لهم، وإيجابا وإثباتا (٢) للحجّة عليهم/؛ حتى يكونوا متى خالفوا وأقاموا على العصيان والطّغيان بعد تكرار (٣) الوعيد والوعظ والإنذار ممّن يحقّ عليه القول، وتجب عليه (٤) الحجّة؛ ويشهد بصحة (٥) هذا التأويل قوله تعالى قبل هذه الآية: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا. [الإسراء: ١٥].

والوجه الثانى فى تأويل الآية أن يكون قوله تعالى: أَمَرْنا مُتْرَفِيها من صفة القرية وصلتها، ولا يكون جوابا لقوله تعالى: وَإِذا أَرَدْنا، ويكون تقدير الكلام:

وإذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنّا أمرنا مترفيها ففسقوا فيها (٦)، وتكون «إذا» على هذا الجواب لم يأت لها

جواب ظاهر فى الآية، للاستغناء عنه بما فى الكلام من الدّلالة عليه (٧)؛ ونظير هذا قوله تعالى فى صفة الجنة: حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ


(١) ت، ف: «بإهلاك مستحق».
(٢) ساقطة من ت، د، ف.
(٣) ت، د: «تكرر».
(٤) ساقطة من ف.
(٥) ت، ف: «لصحة».
(٦) فى ت، وحاشية الأصل:
«ويكون كأنه قال تعالى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً مأمورا مترفوها كررنا القول عليهم، وأعدنا الوعظ لهم، وأمرناهم ثانيا فَفَسَقُوا فِيها، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ. والله أعلم بالمراد».
(٧) فى ت، ق، حاشية الأصل، : «يمكن أن يتمحل «لإذا» فى الآية جواب، وهو أن تجعل الفاء فى قوله تعالى: فَدَمَّرْناها زائدة، وتجعل «دمرنا» جوابا لإذا، ولا خلاف فى مورد الفاء زائدة فى كلام العرب؛ حكى ابن جنى عن أبى على قال: حكى أبو الحسن عنهم: «أخوك فوجد» بمعنى أخوك وجد. ومن ذلك قولهم: زيدا فاضربه، وعمرا فأكرم، وعلى هذا قوله تعالى: وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ، ويكون معنى الآية على هذا إخبارا عن عزة الله تعالى وقدرته على جميع ما أراد تعالى. وحجة الفاء زائدة، فى بيت الكتاب:
لا تجزعى إن منفسا أهلكته ... وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعى
الفاء فى «فاجزعى» زائدة».