للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فشكا مرة، فقالوا: ما نحن نرميك؛ ولكنّ الله يرميك، فقال: كذبتم، لو كان الله يرمينى ما أخطأنى.

وقال لهم يوما: يا بنى (١) قشير، ما فى العرب أحد أحبّ إلى طول بقاء منكم، قالوا:

ولم ذاك؟ قال: لأنكم إذا ركبتم أمرا علمت أنه غىّ فأجتنبه، وإذا اجتنبتم أمرا علمت أنه رشد، فاتبعته فنازعوه الكلام، فأنشأ يقول:

يقول الأرذلون بنو قشير ... طوال الدّهر لا تنسى عليّا

أحبّ محمّدا حبّا شديدا ... وعبّاسا وحمزة والوصيّا

/ أحبّهم لحبّ الله حتّى ... أجئ إذا بعثت على هويّا

فإن يك حبّهم رشدا أصبه ... ولست بمخطئ إن كان غيّا

فقالوا له: أشككت يا أبا الأسود، فقال: ألم تسمعوا الله تعالى يقول: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، أفترون الله شكّ!

أما قوله: «هويّا» فإنه لغة هذيل؛ يقولون ذلك فى كل مقصور (٢)؛ مثل الهوى والعصا والتقى والقفا. قال أبو ذؤيب الهذلى:

سبقوا هوىّ وأعنقوا لسبيلهم ... فتخرّموا ولكلّ جنب مصرع (٣)

وروى أن أبا الأسود دخل على معاوية فقال له: أصبحت جميلا يا أبا الأسود؛ فلو علّقت تميمة تدفع العين عنك! فقال أبو الأسود:

أفنى الشّباب الّذي ولى وبهجته (٤) ... كرّ الجديدين من آت ومنطلق

لم يتركا لى فى طول اختلافهما ... شيئا أخاف عليه لذعة الحدق


(١) الخبر مع الأبيات ورد فى الأغانى ١١: ١١٣، ونزهة الألباء ٦ - ٧، وأخبار النحوين للسيرافى ١٤ - ٢١٥، وإنباه الرواة ١: ١٧، يزيد وينقص فى بعض الروايات، ويختلف فى بعض الألفاظ وترتيب الأبيات.
(٢) وذلك إذا أضيف إلى ياء المتكلم؛ فيقولون: هوىّ؛ أى هواى، وعصىّ؛ أى عصاى؛ وهكذا.
(٣) ديوان الهذليين ١: ٢، والرواية فيه: «لهواهم».
(٤) حاشية الأصل (من نسخة): «فارقت بهجته».