للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وروى أنه قال له يوما: إلى كم تمدح الناس وتذمّهم؟ فقال: ما أحسنوا وأساءوا] (١).

وروى أن المتوكّل قال له يوما: إنّى لأفرق من لسانك، فقال له: إنّ الشريف فروقة ذو إحجام، وإن اللئيم ذو أمنة وإقدام.

وقال له يوما- وقد دخل عليه: اشتقتك والله يا أبا العيناء، فقال له يا سيّدى؛ إنّما يشتد الشوق على العبد لأنه لا يصل إلى مولاه، فأمّا السّيّد فمتى أراد عبده دعاه.

وروى أنه قال له يوما: ما بقى أحد فى مجلسى إلا اغتابك وذمّك- عند ما جرى من (٢) ذكرك- غيرى، فقال أبو العيناء:

/ إذا رضيت عنّى كرام عشيرتى ... فلا زال غضبانا عليّ لئامها

وذكر أبو العيناء قال: قال لى المتوكل: كيف ترى دارى هذه؟ فقلت: رأيت الناس بنوا دورهم فى الدنيا، وأمير المؤمنين جعل الدّنيا فى داره.

وقال أبو العيناء: قال لى المتوكل: من أسخى من رأيت؟ ومن أبخل من رأيت؟

فقلت: ما رأيت أسخى من أحمد بن أبى دؤاد، ولا أبخل من موسى بن عبد الملك؛ قال: وكيف وقفت على بخله؟ فقلت: رأيته يحرم القريب كما يحرم البعيد، ويعتذر من الإحسان (٣)؛ كما يعتذر من الإساءة؛ فقال: أجئت إلى من اطّرحته فسخيته، وإلى من أمسكته فبخّلته! فقلت: يا أمير المؤمنين، إنّ الصدق ما هو فى موضع من المواضع أنفق منه بحضرتك، والناس يغلطون فيمن ينسبونه إلى السخاء؛ فإذا نسب الناس السخاء إلى البرامكة، فإنما ذاك من سخاء أمير المؤمنين الرشيد، وإذا نسب الناس الحسن ابن سهل، والفضل بن سهل إلى السخاء، فإنما ذاك سخاء أمير المؤمنين المأمون، وإذا نسبوا أحمد بن أبى دؤاد إلى السخاء فذاك سخاء أمير المؤمنين المعتصم، وإذا نسبوا الفتح بن خاقان


(١) ساقط من م.
(٢) ف: «عند ما جرى ذكرك».
(٣) حاشية ت: «يعنى أن إحسانه يكون ساقطا يحتاج إلى العذر».