للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنه أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد، لم أحجج قطّ، فنفس تقول لى: حجّ، ونفس تقول لى: تزوّج، فقال الحسن: إنّما النفس واحدة، ولكن لك همّ يقول حجّ، وهمّ يقول: تزوّج، وأمره بالحج.

وقال الممزّق (١) العبدىّ- وتروى لمعقّر بن حمار البارقىّ:

ألا من لعين قد نآها حميمها ... وأرّقنى بعد المنام همومها

فباتت لها نفسان شتّى همومها ... فنفس تعزّيها ونفس تلومها

وقال النّمر بن تولب العكلىّ:

أمّا خليلى فإنى لست معجله ... حتى يؤامر نفسيه كما زعما

نفس له من نفوس القوم صالحة ... تعطى الجزيل ونفس ترضع الغنما (٢)

أراد أنّه بين نفسين: نفس تأمره بالجود، وأخرى تأمره بالبخل، وكنّى برضاع الغنم عن البخل، لأنّ اللّئيم يرضع اللبن من الشّاة ولا يحلبها؛ لئلا يسمع الضيف صوت الشّخب فيهتدى إليه، ومنه قيل: لئيم راضع؛ وقال كثيّر:

فأصبحت ذا نفسين نفس مريضة ... من اليأس ما ينفكّ همّ يعودها (٣)

ونفس ترجّى وصلها بعد صرمها ... تجمّل كى يزداد غيظا حسودها

والنفس العين التى تصيب الإنسان، يقال: أصابت فلانا نفس، أى عين. وروى


(١) حواشى الأصل، ت، ف: «الممزّق، بكسر الزاى وفتحها، كلاهما جائز؛ الكسر لأنه أتى بذكر التمزيق فى شعره، والممزق بالفتح؛ لأنه قال: «لما أمزق»، وقال أبو القاسم الآمدي: الممزق، بفتح الزاى هو شأس بن نهار العبدى، الّذي قال: «ولما أمزق»، والممزق، بكسرها هو الممزق الحضرمىّ، متأخر، وولده الممزّق بن الممزق، ذكره فى المختلف والمؤتلف.
وانظر ص ١٨٥ - ١٨٦؛ والبيت الّذي يشير إليه هو بتمامه:
فإن كنت مأكولا فكن خير آكل ... وإلّا فأدركنى ولمّا أمزّق
من قصيدة يخاطب فيها عمرو بن المنذر بن عمرو بن النعمان، وكان هم بغزو عبد القيس.
(٢) البيتان فى الأغانى ١٩: ١٦١.
(٣) ديوانه: ١: ٧٥.