فإن قيل: ما وجه تسمية الغيب بأنه نفس؟ قلنا: لا يمتنع أن يكون الوجه فى ذلك أنّ نفس الإنسان لما كانت خفيّة الموضع نزّل ما يكتمه ويجتهد فى ستره منزلتها، وسمّى باسمها، فقيل فيه إنه نفسه، مبالغة فى وصفه بالكتمان والخفاء؛ وإنما حسن أن يقول تعالى مخبرا عن نبيه: وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ من حيث تقدم قوله: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي؛ ليزدوج الكلام، ولهذا لا يحسن ابتداء أن يقول: أنا لا أعلم ما فى نفس الله تعالى، وإن حسن على الوجه الأول؛ ولهذا نظائر فى الاستعمال مشهورة مذكورة.
فأما الخبر الّذي ذكره السائل فتأويله ظاهر، وهو خارج على مذهب للعرب فى مثل هذا الباب معروف؛ ومعناه أنّ من ذكرنى فى نفسه جازيته على ذكره لى، وإذا تقرّب إلى شبرا جازيته على تقرّبه إلى؛ وكذلك الخبر إلى آخره، / فسمّى المجازاة على الشيء باسمه اتساعا، كما قال تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها، [الشورى: ٤٠]؛ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ؛ [الأنفال: ٤٠]، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، [البقرة: ١٥]؛ وكما قال الشاعر (١):
ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
ونظائر هذا كثيرة فى كلام العرب. ولما أراد تعالى المبالغة فى وصف ما يفعله به من الثواب والمجازاة على تقرّبه بالكثرة والزيادة؛ كنّى عن ذلك بذكر المسافة المتضاعفة فقال:«باعا وذراعا»، إشارة إلى المعنى من أبلغ الوجوه وأحسنها.
(١) هو عمرو بن كلثوم؛ والبيت من المعلقة ص ٢٣٨ - بشرح التبريزى.