للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

/ ويقال لكل أرض مرتفعة منقطعة ممّا حولها: سبتاء، وجمعها سباتى، فيكون المعنى على هذا الجواب: جعلنا نومكم سباتا، أى قطعا لأعمالكم وتصرّفكم. ومن أجاب بهذا الجواب يقول: إنما سمّى يوم السبت بذلك لأنّ بدء الخلق كان يوم الأحد؛ وجمع يوم الجمعة، وقطع يوم السبت، فترجع التسمية إلى معنى القطع.

وقد اختلف الناس فى ابتداء الخلق فقال أهل التوراة: إنّ الله تعالى ابتدأه فى يوم الأحد، فكان الخلق فى يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ثم فرغ فى يوم السبت؛ وهذا قول أهل التوراة.

وقال آخرون: إن الابتداء كان فى يوم الاثنين إلى السبت، وفرغ فى يوم الأحد؛ وهذا قول أهل الإنجيل.

فأما قول أهل الإسلام فهو أن ابتداء الخلق كان فى يوم السبت، واتصل إلى الخميس، وجعلت الجمعة عيدا؛ فعلى هذا القول الأخير يمكن أن يسمّى اليوم بالسبت، من حيث قطع فيه بعض خلق الأرض، فقد روى أبو هريرة عن النبي عليه السلام أنه قال: «إن الله تعالى خلق التّربة (١) فى يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد».

ومنها أن يكون المراد بذلك أنّا جعلنا نومكم سباتا ليس بموت؛ لأن النائم قد يفقد من علومه وقصوده وأحواله أشياء كثيرة يفقدها الميت؛ فأراد تعالى أن يمتنّ علينا بأن جعل نومنا الّذي تضاهى فيه بعض أحوالنا أحوال الميت ليس بموت على الحقيقة، ولا بمخرج لنا عن الحياة والإدراك؛ فجعل التأكيد بذكر المصدر قائما مقام نفى الموت، وسادّا مسدّ قوله:

وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ ليس بموت.

ويمكن أن يكون فى الآية وجه آخر لم يذكر فيها، وهو أن السّبات ليس هو كلّ نوم، وإنما هو من صفات النوم إذا وقع على بعض الوجوه، والسّبات هو النوم الممتد الطويل


(١) من نسخة بحاشيتى ت، ف: «البرية».