للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حفظ جميع القرآن كذلك.

وأما ابن قتيبة فإنه غلط من حيث لم يفطن للوجه/ فى الخبر الّذي ذكرناه؛ من حيث ظنّ أن العقوبة لا تكون إلا فى محلّ الذّنب، وهذا القول يوجب عليه ألّا يجلد ظهر الزانى، وتختص العقوبة بفرجه، وكذلك القاذف كان يجب أن يعاقب فى لسانه دون سائر أعضائه؛ والخبر الّذي استشهد به حجّة عليه، لأنا نعلم أنّ اللسان أقوى خطأ فى باب الكلام من الشّفة، فلم لم يخصّ بالعقوبة (١) وحلّت بالشفاء دونه؟ ثم غلطه فى تأويل الآية التى أوردها أقبح من كل ما تقدّم؛ لأنه توهّم أنّ ما تضمنته الآية من تخبّط آكل الربا وتعثّره عند القيام إنما هو فى الدنيا من حيث يثقل ما أكله فى معدته فيمنعه من النّهوض؛ ونحن نعلم ضرورة خلاف ذلك، ونجد كثيرا من آكلى الربا أخفّ نهوضا،

وأسرع قياما وتصرّفا من غيرهم؛ ممّن لم يأكل الربا قطّ؛ والمعنى فى الآية ما ذكره المفسّرون من أنّ ما وصفهم الله تعالى به يكون عند قيامهم من قبورهم، فيلحقهم العثار والزّلل والتّخبّل على سبيل العقوبة لهم، وليكون ذلك أيضا أمارة لمن يعاقبهم (٢) من الملائكة والخزنة على الفرق بين الولىّ والعدوّ، ومستحقّ الجنة ومستحقّ النار. وليس بمعروف ولا ظاهر أن الأجذم هو المجذوم؛ وردّ ابن قتيبة معناه واشتقاقه إلى الجذم الّذي هو القطع يوجب عليه أن يكون كلّ داء يقطّع الجسد ويفرّق أوصاله؛ كالجدرىّ والأكلة (٣) وغيرهما يسمّى جذاما، ويسمى من كان عليه أجذم، وهذا باطل.

وأما قول الشاعر (٤):

حرّق قيس عليّ البلا ... د حتّى إذا اضطرمت أجذما

فليس من هذا الباب؛ بل هو من الإجذام الّذي هو الإسراع؛ فكأنه قال: لما اضطرمت


(١) ف: «فلم لم تختص العقوبة به».
(٢) ف، وحاشية ت (من نسخة): «ويعاينهم».
(٣) فى نسخة بحواشى الأصل، ت، ف: «الأكلة، بالكسر: الحكة، والأكلة، بالضم:
اللقمة».
(٤) هو الربيع بن زياد العبسى، من أبيات فى (الحماسة بشرح التبريزى ٢: ٦١ - ٦٣)، واللسان (جذم).