للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كنّا فى مجلس الأصمعىّ إذ أقبل أعرابىّ فقال: أين عميدكم؟ فأشرنا إلى الأصمعىّ، فقال له:

ما معنى قول الشاعر:

لا مال إلّا العطاف تؤزره ... أمّ ثلاثين وابنة الجبل (١)

لا يرتقى النزّ فى ذلاذله ... ولا يعدّى نعليه من بلل (٢)

فقال الأصمعىّ:

عصرته نطفة تضمّنها ... لصب تلقّى مواضع السّبل

أو وجبة من جناة أشكلة ... إن لم يرغها بالقوس لم تنل (٣)

قال: فأدبر الأعرابىّ وهو يقول: لم أر كاليوم عضلة (٤).

قال ابن دريد: إنما وصف رجلا خائفا فى رأس جبل؛ يقول: لا مال له إلّا العطاف- وهو السّيف- تؤزره أمّ ثلاثين؛ يعنى كنانة فيها ثلاثون سهما. وابنة الجبل؛ يعنى القوس، لأنها تعمل من شجر الجبال مثل النّبع وغيره.

وقوله: «لا يرتقى النّزّ فى ذلاذله»، لأنه فى رأس جبل؛ فلا نزّ هناك يتعلق بما يفضل من ثيابه، ولا بلل يعدّى نعليه عنهما.

والعصرة: الملجأ. والنّطفة: الماء المجتمع فى صخر أو غيره من بقيّة ماء المطر. واللّصب:

الشّق فى الجبل أضيق من اللهب (٥) وأوسع من الشّعب. والسّبل: المطر.

والوجبة: أن يأكل كلّ يوم مرة. والأشكل: السّدر الجبلىّ، واحده أشكلة؛ يقول:


(١) الأبيات فى اللسان (عطف)، وروى عن ثعلب أنها فى وصف صعلوك. وفى حواشى الأصل، ت، ف: «أصل العطاف الرداء؛ فشبه به السيف»، وتؤزره: تعينه.
(٢) النز: الماء الّذي يتحلب من الأرض والذلاذل: أسافل القميص الطويل.
(٣) حاشية الأصل (من نسخة): «يرغها» بفتح الياء وضم الراء، وفيها: «أراغ معناه طلب، وراغ: مال؛ يقال:
راغ إليه؛ فحذف حرف الجر، وأوصل الفعل؛ ومن ذلك قوله تعالى: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ».
(٤) العضلة: الداهية؛ يقال: فلان عضلة وعضل، أى شديد داهية.
(٥) اللهب: الطريق بين الجبلين.