للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تخبّر إن شطّت بها غربة النّوى ... ستنعم ليلى أو يفكّ أسيرها (١)

أراد: كيف تظنها؟ فلما كان القول يستعمل فى الأمرين معا أفاد قوله تعالى: بِأَفْواهِهِمْ قصر المعنى على ما يكون باللسان دون القلب، ولو أطلق القول، ولم يأت بذكر الأفواه لجاز أن يتوهّم المعنى الآخر:

ومما يشهد لذلك قوله تعالى: إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ؛ [المنافقون: ١]، فلم يكذّب الله تعالى قول ألسنتهم: لأنهم لم يخبروا بأفواههم إلّا بالحق، بل كذّب

ما يرجع إلى قلوبهم من الاعتقادات.

ووجه آخر وهو أن تكون الفائدة فى قوله تعالى: بِأَفْواهِهِمْ أنّ القول لا برهان عليه، وأنه باطل كذب لا يرجع فيه إلّا إلى مجرّد القول باللسان؛ لأن الإنسان قد يقول بلسانه الحقّ والباطل، وإنما يكون قوله حقّا إذا كان راجعا إلى قلبه، فتكون إضافة القول إلى اللسان تقتضى ما ذكرناه من الفائدة، وهذا كما يقول القائل لمن يشكّ فى قوله أو يكذبه:

هكذا تقول بلسانك، وليس الشأن فيما تقوله وتتفوّه به وتقلّب به لسانك؛ فكأنّهم أرادوا أن يقولوا: هذا قول لا برهان عليه، فأقاموا قولهم: هكذا تقول بلسانك، وإنما يقولون كذا بأفواههم مقام ذلك؛ والمعنى أنه قول لا تعضده حجّة ولا برهان، ولا يرجع فيه إلا إلى اللسان.


(١) حواشى الأصل، ت، ف: «فى ديوانه: «تجير وإن شطت»، يخاطب الشاعر صديقا له فيقول: يا صفىّ نفسى، كيف تظن ليلى الأخيلية لو استجار بها مستجير! ثم استأنف فقال: هى تجير وإن كانت قد عذبتنا بالفراق، ثم قال: ستنعم ليلى أو يفادى أسيرها، ويعنى بالأسير نفسه، أى ستجود يوما أو أفتدي نفسى منها، هذا إذا روى: «تجير وإن شطت»، وكذلك هو فى ديوانه، وأما وجه ما رواه السيد: «تخبر»، فمعناه: تخبرنى أنت يا صفىّ نفسى إن تناءت أنها ستنعم، وإن رويت: «أن شطت» بالفتح كان المعنى: لأن تناءت. وعلى ما ذكره السيد رضى الله عنه يمكن أن يذكر للبيت وجه آخر؛ وهو أنه يقول ويخاطب صديقا له: كيف تظنها لو أنى استجرت بها! كنى عن نفسه بالخائف المستجير ثم يقول:
تخبر يا خليلى، يعنى أنى أعلم أنك تقول: هى إما أن تنعم بالوصال أو أنا أسلو؛ وهذا معنى: «يفك أسيرها»، لأنه إذا سلا فقد فك أسره؛ وهذا الوجه الأخير مستفاد من ملك النحاة».