وثانيها أن يكون المراد أنّه عزّ وجل يحاسب الخلق جميعا فى أوقات يسيرة، ويقال:
إنّ مقدار ذلك مقدار حلب شاة؛ لأنه تعالى لا يشغله محاسبة بعضهم عن محاسبة غيره (١)؛ بل يكلّمهم جميعا ويحاسبهم كلّهم على أعمالهم فى وقت واحد؛ وهذا أحد ما يدلّ على أنّه تعالى ليس بجسم، وأنّه لا يحتاج فى فعل الكلام إلى آلة؛ لأنه لو كان بهذه الصفات- تعالى عنها- لما جاز أن يخاطب اثنين فى وقت واحد بمخاطبتين مختلفتين؛ ولكان خطاب بعض الناس يشغله عن خطاب غيره، ولكانت مدة محاسبته للخلق على أعمالهم طويلة غير قصيرة؛ كما أنّ جميع ذلك واجب فى المحدثين الذين يفتقرون فى الكلام إلى الآلات.
وثالثها ما ذكره بعضهم من أنّ المراد بالآية أنه سريع العلم بكل محسوب، وأنّه لما كانت عادة بنى الدنيا أن يستعملوا الحساب والإحصاء فى أكثر أمورهم؛ أعلمهم الله تعالى أنّه يعلم ما يحسبون بغير حساب؛ وإنما سمّى العلم حسابا لأنّ الحساب إنما يراد به العلم؛ وهذا جواب ضعيف؛ لأن العلم بالحساب أو المحسوب لا يسمّى حسابا، ولو سمّى بذلك لما جاز أيضا أن يقال إنه سريع العلم بكذا؛ لأنّ علمه بالأشياء مما لا يتجدّد فيوصف بالسرعة.
ورابعها أنّ الله تعالى سريع القبول لدعاء عباده والإجابة لهم؛ وذلك أنّه يسأل فى وقت واحد سؤالات مختلفة/ من أمور الدنيا والآخرة، فيجزى كلّ عبد بمقدار استحقاقه ومصلحته، فيوصل إليه عند دعائه ومسألته ما يستوجبه بحد ومقدار؛ فلو كان الأمر على ما يتعارفه الناس لطال العدد واتصل الحساب، فأعلمنا تعالى أنّه سريع الحساب، أى سريع القبول للدعاء بغير إحساس وبحث عن المقدار الّذي يستحقّه الداعى؛ كما يبحث المخلوقون للحساب والإحصاء؛ وهذا الجواب مبنىّ أيضا على دعوى أنّ قبول الدعاء لا يسمّى حسابا فى لغة ولا عرف ولا شرع. وقد كان يجب على من أجاب بهذا الجواب أن يستشهد على ذلك بما يكون حجة فيه، وإلّا فلا طائل فيما ذكره.