للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فبك الّذي زعمت لها، وكلاكما ... أبدى لصاحبه الصّبابة كلّها

ولعمرها لو كان حبّك فوقها ... يوما وقد ضحيت إذا لأظلّها

وإذا وجدت لها وساوس سلوة ... شفع الضّمير إلى الفؤاد فسلّها

بيضاء باكرها النّعيم فصاغها ... بلباقة فأدقّها وأجلّها (١)

لمّا عرضت مسلّما لى حاجة ... أخشى صعوبتها، وأرجو ذلّها (٢)

/ منعت تحيّنها، فقلت لصاحبى: ... ما كان أكثرها لنا وأقلّها!

فدنا، فقال: لعلّها معذورة ... فى بعض رقبتنا، فقلت: لعلّها!

قال عروة بن عبيد الله: فجاءنى أبو السائب المخزومىّ يوما فسلّم وجلس إلى، فقلت له بعد الرّحب به: ألك حاجة يا أبا السائب؟ فقال: أو كما تكون الحاجة! أبيات لعروة ابن أذينة؛ بلغنى أنك سمعتها منه، قلت: أىّ أبيات؟ قال: وهل يخفى القمر! .

* إنّ الّتي زعمت فؤادك ملّها*

فأنشدته فقال: ما يروى هذا إلّا أهل المعرفة والفضل، هذا والله الصادق الودّ، الدائم العهد، لا الهذلىّ الّذي يقول:

إن كان أهلك يمنعونك رغبة ... عنّى فأهلى بى أضنّ وأرغب

لقد عدا الأعرابىّ طوره! وإنى لأرجو أن يغفر الله لابن أذينة فى حسن الظّنّ بها، وطلب العذر لها. فدعوت له بطعام، فقال: لا والله حتى أروى هذه الأبيات، فلمّا رواها وثب، فقلت له: كما أنت يغفر الله لك، حتى تأكل، فقال: والله ما كنت لأخلط بمحبتى لها وأخذى إياها غيرها (٣).


(١) حاشية الأصل: «أى أدق منها ما ينبغى أن يكون دقيقا، وأجل منها ما ينبغى أن يكون جليلا» وقال ابن الأعرابى: ومعنى قوله: «فأدقها
وأجلها» دق منها حاجباها وأنفها وخصرها، وجل عضداها وساقاها وبوصها؛ وهذا كما قال آخر:
فدقّت وجلّت واسبكرّت وأكملت ... فلو جنّ إنسان من الحسن جنّت.
(٢) الذل هنا، بالضم ويكسر: ضد الصعوبة.
(٣) وانظر الخبر أيضا فى زهر الآداب (طبعة الحلبى): ١٦٧، والموشح: ٢٣٠.