للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلو أنّها نفس تموت سويّة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا (١)

أراد: فلو أنّها نفس تموت سويّة لانقضت وفنيت، فحذف الجواب؛ على أنّ من تأوّل هذه الآية على الوجه الّذي لا يليق بنبىّ الله تعالى، وأضاف العزم على المعصية إليه لا بد له من تقدير جواب محذوف، ويكون التقدير عنده: ولقد همّت بالزّنا وهمّ به؛ لولا أن رأى برهان ربه لفعله.

فإن قيل قوله: هَمَّ بِها كقوله: هَمَّتْ بِهِ فلم جعلتم همّها به متعلّقا بالقبيح وهمّه بها متعلقا بما ذكرتم من الضرب وغيره؟

قلنا: أما الظاهر فلا يدلّ على ما تعلق به الهم والعزم فيهما جميعا، وإنما أثبتنا همّها به متعلّقا بالقبيح، لشهادة الكتاب والآثار؛ وهى ممن يجوز عليه فعل القبيح، ولم يؤمن دليل من امتناعه عليها؛ كما أمن ذلك فيه عليه السلام.

والموضع الّذي يشهد بذلك من الكتاب قوله تعالى: وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ/ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ إلى قوله: إِنَّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ، [يوسف: ٣٠]، وقوله تعالى: وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ [يوسف: ٢٣]، وقوله تعالى: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ (٢) وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يوسف: ٥١]، وفى موضع آخر: قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ [يوسف: ٣٢].


(١) ديوانه: ١٤٠، وروايته: «تموت جميعة». وفى حاشية الأصل: «ويروى: «تساقط» [بضم التاء]، وساقط بوزن فاعل متعد؛ ويكون «أنفسا» مفعولا؛ وإذا روى: «تساقط» [بفتح التاء] جاز أن يكون «تفاعل» متعديا؛ والمعنى: أسقط. ويجوز أن يكون غير متعد أيضا؛ و «أنفسا» نصبت على الحال، كقوله تعالى: تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، أى تساقط عليك ثمر النخلة رطبا، وقال الفراء: هو تمييز، وكلاهما حسن. ويجوز إذا كان حالا أن يفيد كثرة الرطب على الجذع فكأنها إذا تساقط رطبا».
(٢) حاشية الأصل: «معنى راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ؛ أى طلبت منه أن ينزل عن نفسه فيسلمها منى؛ هذا هو هو حقيقة هذه الكلمة؛ فاختصر».