للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جواب لَوْلا بأبعد من حذف جواب لَوْلا جملة من الكلام. وإذا جاز عندهم الحذف- لئلا يلزمهم تقديم الجواب- جاز

لغيرهم تقديم الجواب حتى لا يلزم الحذف.

والجواب الثالث ما اختاره أبو عليّ الجبّائىّ- وإن كان غيره قد تقدمه إلى معناه- وهو أن يكون معنى هَمَّ بِها اشتهاها، ومال طبعه إلى ما دعته إليه. وقد يجوز أن تسمّى الشهوة فى مجاز اللغة همّا؛ كما يقول القائل فيما لا يشتهيه: ليس هذا من همّى، وهذا أهمّ الأشياء إلى؛ ولا قبح فى الشهوة لأنها من فعل الله تعالى فيه؛ وإنما يتعلق القبح بتناول المشتهى.

وقد روى هذا التأويل عن الحسن البصرىّ قال: أما همّها فكان أخبث الهم، وأما همّه فما طبع عليه الرجال من شهوة النساء، ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى: لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ، متعلق بمحذوف؛ كأنه قال: لولا أن رأى برهان ربه لعزم أو فعل.

والجواب الرابع، أنّ من عادة العرب أن يسمّوا الشيء باسم ما يقع عنده فى الأكثر، وعلى هذا لا ينكر أن يكون المراد ب هَمَّ بِها خطر بباله أمرها (١)، ووسوس إليه الشيطان بالدعاء إليها؛ من غير أن يكون هناك همّ أو عزم، فسمّى الخطور بالبال همّا من حيث كان الهمّ يقع فى الأكثر عنده، والعزم فى الأغلب يتبعه.

وإنما أنكرنا ما ادّعاه جهلة المفسرين ومحرّفو القصّاص، وقرفوا به نبى الله عليه السلام، لما فى العقول من الأدلة على أن مثل ذلك لا يجوز على الأنبياء عليهم السلام؛ من حيث كان منفّرا عنهم، وقادحا فى الغرض المجرى إليه بإرسالهم؛ والقصّة تشهد بذلك؛ لأنه تعالى قال: كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ؛ ومن أكبر السوء والفحشاء العزم على الزنا، ثم الأخذ فيه، والشروع فى مقدماته؛ وقوله تعالى أيضا: إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يقتضي تنزيهه


(١) س: «ما أخطر بباله أمرها».