المعاصى على الطاعات، وأنهم ما ركبوا المعاصى وآثروها على الطاعات إلّا لاعتقادهم (١) أنّ فيها خيرا/ ونفعا، فقيل: أذلك خير على ما تظنونه وتعتقدونه، أم كذا وكذا؟
وقد قال قوم فى قوله تعالى: أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ إنما حسن ذلك لاشتراك الحالين فى باب المنزلة، وإن لم يشتركا فى الخير والنفع، كما قال تعالى: خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا؛ [الفرقان: ٢٤]، ومثل هذا يتأتّى فى قوله تعالى: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ لأنّ الأمرين- يعنى المعصية ودخول السجن- مشتركان فى أنّ لكل منهما داعيا، وعليه باعثا، وإن لم يشتركا فى تناول المحبة، فجعل اشتراكهما فى داعى المحبة اشتراكا فى المحبة نفسها وأجرى اللّفظ على ذلك.
ومن قرأ هذه الآية بفتح السين فالتأويل أيضا ما ذكرناه؛ لأن «السّجن» المصدر، فيحتمل أن يريد: أنّ سجنى لهم نفسى، وصبرى على حبسهم أحبّ إلى من مواقعة المعصية؛ ولا يرجع بالسجن إلى فعلهم بل إلى فعله.
والوجه الثانى أن يكون معنى أَحَبُّ إِلى أى أهون عندى وأسهل عليّ؛ وهذا كما يقال لأحدنا فى الأمرين يكرههما معا: إن فعلت كذا وإلا فعل بك كذا وكذا؛ فيقول: بل كذا أحبّ إلى، أى بمعنى أسهل وأخفّ، وإن كان لا يريد واحدا منهما؛ وعلى هذا الجواب لا يمتنع أن يكون إنما عنى فعلهم به دون فعله، لأنه لم يخبر عن نفسه بالمحبة التى هى
الإرادة؛ وإنما وضع أَحَبُّ موضع أخف، والمعصية قد تكون أهون وأخفّ من أخرى.
وأما قوله: وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ فليس المعنى فيه على ما ظنّه السائل؛ بل المراد: متى لم تلطف لى ممّا يدعونى إلى مجانبة المعصية، ويثنينى إلى تركها ومفارقتها صبوت؛ وهذا منه عليه السلام على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى، والتسليم لأمره، وأنه لولا معونته ولطفه ما نجا من كيدهنّ؛ ولا شبهة فى أن النبىّ عليه السلام إنما يكون