قال: والّذي أوقع البحترىّ فى هذا الغلط قول قيس بن الخطيم:
/ ما تمنعى يقظى فقد تؤتينه ... فى النّوم غير مصرّد محسوب
وكان الأجود أن يقول: ما تمنعى فى اليقظة فقد تؤتينه فى النوم، أى ما تمنعينه فى يقظتى فقد تؤتينه فى حال نومى؛ حتى يكون النوم واليقظة منسوبين إليه؛ لأن خيال المحبوب يتمثّل فى حال نومه ويقظته جميعا، قال: إلّا أنه يتّسع من التأويل فى هذا لقيس ما لا يتّسع للبحترىّ لأن قيسا قال: «فقد تؤتينه فى النوم» ولم يقل نائمة؛ وقد يجوز أن يحمل على أنه أراد:
ما تمنعى يقظى وأنا يقظان؛ فقد تؤتينه فى النوم، أى فى نومى؛ ولا يسوغ مثل هذا فى بيت البحترىّ لأنه قال:«وسنى» ولم يقل فى الوسن.
قال سيّدنا أدام الله علوّه: وقد يمكن من التأويل للبحترىّ ما أمكن مثله لقيس؛ لكنّ الآمدىّ قد ذهب عن ذلك؛ لأن البحترىّ لما قال:«وسنى» دلّ على حال الوسن؛ والحال المعهودة للوسن حال يشترك الناس فيها فى النوم بالعادة، كما أنّ الحال المعهودة لليقظة حال مشتركة بالعادة؛ فقوله:«وسنى» ينبئ عن كونه هو أيضا نائما؛ وإنما أراد المقابلة فى زنة اللفظ بين يقظى ووسنى.
وقوله:«يقظى» متى لم يحمل أيضا على هذا المعنى لم يصحّ؛ لأنه لا بدّ أن يريد بذلك:
هجرتنا فى أحوال اليقظة؛ ويكون معنى «يقظى» يتعدّى إليه؛ ألا ترى أن الآمدىّ حمل قول قيس:«يقظى» على معنى: «وأنا يقظان» وإن لم يبيّن الوجه! ؛ فكيف ذهب عليه مثل ذلك فى قول البحترىّ!
وقوله:«وسنى» و «يقظى» مثل قول قيس: «يقظى»، ولو مكّن قيسا وزن الشعر من أن يقول؛ «وسنى» فى مقابلة:
«يقظى» لقاله وما عدل عنه إلى النوم؛ لأنه لم يكن عليه فى «وسنى» إلا ما عليه فى «يقظى»، وما يتأوّل له فى أحد الأمرين يتأوّل له فى الآخر.