للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليس أيضا لتخلّل الموت بين الحالين تأثير؛ لأنه لو كان تخلّل الموت يزيل الذكر لكان تخلّل النوم والسّكر والجنون والإغماء بين أحوال العقلاء يزيل ذكرهم لما مضى من أحوالهم؛ لأنّ سائر ما عددناه مما ينفى العلوم يجرى مجرى الموت فى هذا الباب. وليس لهم أن يقولوا:

إذا جاز فى العاقل الكامل أن ينسى ما كان عليه فى حال الطفوليّة جاز ما ذكرناه؛ وذلك أنّا إنما أوجبنا ذكر العقلاء لما ادّعوه إذا كملت عقولهم من حيث جرى لهم (١) وهم كاملو العقول، ولو كانوا بصفة الأطفال فى تلك الحال لم نوجب عليهم ما أوجبناه.

على أن تجويز النّسيان عليهم ينقض الغرض فى الآية، وذلك أنّ الله تعالى أخبر بأنه إنما قرّرهم وأشهدهم لئلا يدّعوا يوم القيامة الغفلة عن ذلك، وسقوط الحجّة عنهم (٢) فيه؛ فإذا جاز نسيانهم له عاد الأمر إلى سقوط الحجة وزوالها، وإن كانوا على الصّفة الثانية من فقد العقل وشرائط التكليف قبح خطابهم وتقريرهم وإشهادهم، وصار ذلك عبثا قبيحا؛ يتعالى الله عنه.

فإن قيل: قد أبطلتم تأويل (٣) مخالفيكم، فما تأويلها الصحيح عندكم؟ قلنا فى هذه الآية وجهان:

أحدهما أن يكون تعالى إنما عنى جماعة من ذرّية بنى آدم خلقهم وبلّغهم وأكمل عقولهم، وقرّرهم على ألسن (٤) رسله عليهم السلام بمعرفته وما يجب (٥) من طاعته، فأقرّوا بذلك، وأشهدهم على أنفسهم به؛ لئلا يقولوا يوم القيامة إنّا كنّا عن هذا غافلين، أو يعتذروا بشرك آبائهم. وإنما أتى من اشتبه عليه تأويل الآية من حيث ظنّ أنّ اسم الذرية لا يقع إلّا على من لم يكن كاملا عاقلا؛ وليس الأمر كما ظنّ؛ لأنّا نسمّى جميع البشر بأنهم ذرية آدم؛ وإن دخل فيهم العقلاء الكاملون، وقد قال الله تعالى: رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ


(١) حاشية الأصل (من نسخة)، ت، ف: «عليهم».
(٢) ت، حاشية الأصل (من نسخة) «عليهم».
(٣) م: «قول».
(٤) ت، د، حاشية ف (من نسخة): «لسان».
(٥) د، ت: «وما يجب عليهم».