للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة ... فأفلت منها وجهه عتد نهد (١)

أراد أفلته ونجّاه ومنه قولهم: إنما أفعل ذلك لوجهك، ويدل أيضا على أن الوجه يعبّر به/ عن الذات قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ؛ [القيامة: ٢٢ - ٢٥]، وقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ لِسَعْيِها راضِيَةٌ؛ [الغاشية: ٨، ٩]، لأن جميع ما أضيف إلى الوجوه فى ظاهر الآى؛ من النظر، والظن، والرّضا لا يصحّ إضافته فى الحقيقة إليها وإنما يضاف إلى الجملة، فمعنى قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ؛ أى كل شيء هالك إلا هو؛ وكذلك قوله تعالى:

كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ؛ لما كان المراد بالوجه نفسه لم يقل «ذى الجلال» كما قال: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ؛ [الرحمن: ٧٨]: لما كان اسمه غيره.

ويمكن فى قوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ وجه آخر؛ وقد روى عن بعض المتقدمين، وهو أن يكون المراد بالوجه ما يقصد به إلى الله تعالى ويوجّه؛ نحو القربة إليه جلت عظمته؛ فيقول: لا تشرك بالله، ولا تدع إلها غيره؛ فإن كل فعل يتقرب به إلى غيره، ويقصد به سواه فهو هالك باطل؛ وكيف يسوغ للمشبّهة أن يحملوا هذه الآية والتى قبلها على الظاهر! أوليس ذلك يوجب أنه تعالى يفنى ويبقى وجهه: وهذا كفر وجهل من قائله.

فأما قوله تعالى: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ، [الإنسان: ٩]، وقوله: إِلَّا


(١) حفزنا: طعنا. ويقال فرس عتد، بفتح التاء وكسرها: إذا كان شديدا تام الخلق سريع الوثبة؛ ليس فيه اضطراب ولا رخاوة والنهد من نعت الخيل: الجسيم المشرف. والحوفزان هو الحارث بن شريك طعنه قيس بن عاصم يوم جدود؛ والمشهور فى ذلك قول سوار بن حيان المنقرىّ:
ونحن حفزنا الحوفزان بطعنة ... سقته نجيعا من دم الجوف أشكلا
وحمران قسرا أنزلته رماحنا ... فعالج غلّا فى ذراعيه مقفلا
وانظر شرح المفضليات ٤٧٠.