للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسود بن يعفر (١) الإيادىّ:

ولقد غنوا فيها بأنعم غنية ... فى ظلّ ملك ثابت الأوتاد (٢)

وقول (٣) الأعشى الّذي أنشده أبو عبيد وهو:

وكنت امرأ زمنا بالعراق ... عفيف المناخ طويل التّغنّ

بطول المقام أشبه منه بالاستغناء، لأن المقام يوصف بالطول ولا يوصف الاستغناء بذلك، فكأنّ الأعشى أراد: إنّنى كنت ملازما لوطنى، مقيما بين أهلى، لا أسافر للانتجاع والطّلب؛ ويجرى قوله هذا مجرى قول حسّان بن ثابت الأنصارىّ:

أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل (٤)

أراد بقوله: «حول قبر أبيهم» أنهم ملوك لا ينتجعون (٥)، ولا يفارقون محالّهم وأوطانهم؛ فيكون معنى الخبر على هذا الوجه: من لم يقم على القرآن؛ فلا يتجاوزه (٦) إلى غيره، ولا يتعدّاه إلى سواه، ويتخذه مغنى ومنزلا ومقاما فليس منا.

فإن قيل: أليس قد يتعدّى القرآن إلى السّنّة والإجماع وسائر أدلّة الشرع؟ فكيف يحظر علينا تعدّيه؟ قلنا: ليس فى ذلك تعدّ للقرآن، لأنّ القرآن دالّ على وجوب اتّباع السنّة وغيرها من أدلّة الشرع، فمن اعتمد بعضها فى شيء من الأحكام لا يكون متجاوزا للقرآن، ولا متعديا؛ فأمّا قوله عليه السلام: «ليس منّا» فقد قيل فيه: إنه لا يكون على أخلاقنا، واستشهد ببيت النابغة:


(١) فى حاشيتى الأصل: «ويعفر (بضم الياء والفاء)، ويعفر أيضا (بضم الياء وكسر الفاء).
ويعفر (بضم الياء والفاء) ينصرف لزوال شبه الفعل عنه».
(٢) البيت من قصيدة فى المفضليات ٢١٧، وفى د، ف، وحاشية الأصل (من نسخة)، والمفضليات «عيشة».
(٣) ت: «وبيت».
(٤) ديوانه: ٨٠، وأولاد جفنة: ملوك غسان.
(٥) فى حاشيتى الأصل، ف: أى لا يحتاجون إلى الانتجاع؛ فهم مقيمون فى مكانهم».
(٦) حاشية ف: «ويتجاوزه ويتخذه»، وفى حاشية الأصل: «قال السيد: فى هذا الكلام اضطراب، والصحيح: «فيتجاوزه ويتعداه»؛ إلا أن تكون «لا» زائدة؛ والمعنى: من لم يقم على القرآن بحيث لا يتجاوزه إلى غيره، ويتعداه إلى سواه؛ ولم يتخذه مغنى، ويكون قوله «يتخذ» معطوفا على «يقم».