للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من تملّى العيش، ولم يسمع فى تملّيت «ملّة»! وهذا خطأ على خطأ (١).

وقال البحترىّ:

ما كان شوقى ببدع يوم ذاك ولا ... دمعى بأوّل دمع فى الهوى سفحا (٢)

ولمّة كنت مشغوفا بجدّتها ... فما عفا الشّيب لى عنها ولا صفحا

وقال أيضا:

وما أنس لا أنس عهد الشّباب ... وعلوة إذ عيّرتنى الكبر (٣)

كواكب شيب علقن الصّبا ... فقلّلن من حسنه ما كثر

وإنى وجدت ولا تكذبنّ ... سواد الهوى فى بياض الشّعر

ولا بدّ من ترك إحدى اثنت ... ين إمّا الشّباب وإما العمر

قال الآمدي: وعليه فى قوله:

ولا بدّ من ترك إحدى اثنت ... ين إمّا الشّباب وإما العمر

معارضة، وهو أن يقال له: إنّ من مات شابا فقد فارق الشباب وفاته العمر أيضا، فهو تارك لهما معا، ومن شاب فارق الشباب، وهو مفارق للعمر لا محالة؛ فهو أيضا تارك لهما جميعا.


(١) وعاد المرتضى فبسط هذا النقد مرة ثانية فى كتابه الشهاب فقال: وقد نبهنا فى كتاب الغرر على هفوة الآمدي فى قول البحترىّ: «تقعقع من ملّة عمده»؛ لأنه ظن أن معناه أن عظام الكبير المسن يجيء لها صوت إذا قام وقعد، وتسمع لها قعقعة؛ وما سمعنا بهذا الّذي ظنه فى وصف ذوى الأسنان والكبر؛ والمعنى أظهر من أن يخفى على أحد؛ لأنه أراد: من عمر وأسن وطاول العيش تعجل رحيله وانتقاله عن الدنيا؛ وكنى عن ذلك بتقعقع العمد؛ لأن ذوى الأطناب والخيام إذا انتقلوا من محل إلى غيره وقوضوا عمد خيامهم، وسارت بها الإبل سمعت لها قعقعة، ومن أمثال العرب المعروفة: «من يتجمع يتقعقع عمده»، يريدون أن التجمع يعقب التفرق والرحيل الّذي تتقعقع معه العمد. ومعنى قوله: «من ملة» يريد من السأم والملال دون ما ظنه الآمدي من أنه تملى العيش.
(٢) ديوانه ١: ١١٤.
(٣) ديوانه ١: ٢١٩.