بكى صاحبى لمّا رأى الدّرب دونه ... وأيقن أنا لاحقان بقيصرا (١)
فقلت له: لا تبك عينك إنّما ... نحاول ملكا، أو نموت فنعذرا
أراد: إلّا أن نموت
وهذا الجواب يضعّف من طريق المعنى؛ لأن لقائل أن يقول: إنّ أمر الخلق ليس إلى أحد سوى الله تعالى قبل توبة العباد وعقابهم بعد ذلك؛ فكيف يصحّ أن يقول: ليس لك من الأمر شيء إلّا أن يتوب عليهم أو يعذبهم؛ حتى كأنه إذا كان أحد الأمرين كان إليه من الأمر شيء!
ويمكن أن ينصر ذلك بأن يقال: قد يصحّ الكلام إذا حمل على المعنى؛ وذلك أن قوله:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ معناه: ليس يقع ما تريده وتؤثره من إيمانهم وتوبتهم، أو ما تريده من استئصالهم وعذابهم، على اختلاف الرواية فى معنى الآية وسبب نزولها؛ إلّا بأن يلطف الله لهم فى التوبة فيتوب عليهم أو يعذبهم؛ وتقدير الكلام: ليس ما تريده من توبتهم أو عذابهم بك، وإنما يكون ذلك بالله تعالى.
والجواب الثالث أن يكون المعنى: ليس لك من الأمر شيء أو من أن يتوب الله عليهم؛ فأضمر «من» اكتفاء بالأولى، وأضمر «أن» بعدها لدلالة الكلام عليها واقتضائه لها، وهى مع الفعل الّذي بعدها بمنزلة المصدر؛ وتقدير الكلام: ليس لك من الأمر شيء ومن توبتهم وعذابهم.
ووجدت أبا بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ يطعن على هذا الجواب ويستبعده، قال: لأنّ الفعل لا يكون محمولا على إعراب الاسم الجامد، الّذي لا تصرّف له على إضمار «أن» مع الفعل/ لأنه ليس من كلام العرب: «عجبت من أخيك ويقوم»، على معنى: «عجبت من أخيك ومن
(١) ديوانه: ١٠٠. الدرب: باب السّكّة الواسع؛ وهو هنا كل مدخل إلى الروم فهو درب؛ وصاحبه عمرو بن قميئة الشاعر؛ وكان رفيق امرئ القيس فى رحلته.