للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم أقبل عبد الملك على الأخطل فقال: أتحبّ أنّ لك قياضا بشعرك شعر أحد من العرب، أم تحب أنك قلته؟ فقال: لا والله؛ إلّا أنى وددت أنى كنت قلت أبياتا قالها رجل منّا، كان والله مغدف القناع (١)، قليل السّماع، قصير الذراع، قال: وما قال؟ فأنشده:

إنّا محيّوك فاسلم أيّها الطّلل ... وإن بليت، وإن طالت بك الطّيل (٢)

ليس الجديد به تبقى بشاشته ... إلّا قليلا، ولا ذو خلّة يصل (٣)

والعيش لا عيش إلّا ما تقرّبه ... عين، ولا حال إلّا سوف تنتقل

إن ترجعى من أبى عثمان منجحة ... فقد يهون على المستنجح العمل (٤)

/ والنّاس من يلق خيرا قائلون له ... ما يشتهى، ولأمّ المخطئ الهبل

قد يدرك المتأنّى بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل

قال الشعبىّ: فقلت: قد قال القطامىّ أفضل من هذا، قال: وما قال؟ قلت: قال (٥):

طرقت جنوب رحالنا من مطرق ... ما كنت أحسبه قريب المعنق (٦)

حتى أتيت إلى آخر القصيدة، فقال عبد الملك: ثكلت القطامىّ أمّه! هذا والله الشعر.

قال: فالتفت إلى الأخطل فقال: يا شعبىّ، إنّ لك فنونا فى الأحاديث، وإنّ لنا فنّا واحدا، فإن رأيت ألّا تحملنى على أكتاف قومك، فأدعهم حرضا! قلت: لا أعرض لك


(١) مغدف القناع، أى خامل الذكر.
(٢) ديوان القطامى ٣٢، وجمهرة الأشعار ٣١٣ - ٣١٦، والطيل: جمع طيلة، هى الدهر.
(٣) الضمير فى «به»، للدهر فى البيت الّذي قبله، وهو:
كانت منازل منّا قد نحلّ بها ... حتى تغيّر دهر خائن خبل.
(٤) الخطاب للناقة، ومنجحة: ظافرة. والمستنجح: طالب النجاح.
(٥) حاشية الأصل: «القطامى، هو عمير بن شييم بن عمر بن عباد».
(٦) اللسان (عنق)، والمعنق: المكان الّذي أعنقت منه؛ أى سرت؛ يقول: لم أظن أنها تقدر على أن تعنق وتسرع من هذا المكان. والعنق: ضرب من السير السريع؛ يقال: عانق وأعنق إذا أسرع.