للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم اختلف هؤلاء من وجه آخر، فمنهم من قال فى التكليف الأخير: إنه يجب أن يكون مستوفيا لكل صفة تقدّمت، حتى تكون البقرة مع أنها غير ذلول تثير الأرض ولا تسقى الحرث، مسلّمة لا شية فيها، [صفراء فاقع لونها، ولا فارض ولا بكر] (١). ومنهم من قال: إنما يجب أن تكون بالصفة الأخيرة فقط، دون ما تقدم.

وظاهر الكتاب بالقول/ المبنى على جواز تأخير البيان أشبه، وذلك أنه تعالى لما كلّفهم ذبح بقرة قالوا للرسول: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ، فلا يخلو قولهم: ما هِيَ من أين يكون كناية عن البقرة المتقدّم ذكرها، أو عن التى أمروا بها ثانيا؛ على قول من يدّعى ذلك.

وليس يجوز أن يكون (٢) سألوا عن صفة غير التى تقدّم ذكرها، لأن الظاهر من قولهم ما هِيَ بعد قوله لهم: اذبحوا بقرة يقتضي أن يكون السؤال عن صفة البقرة المأمور بذبحها؛ ولأنه لا علم لهم بتكليف ذبح بقرة أخرى فيستفهموا عنها؛ وإذا صحّ أن السؤال إنما كان عن صفة البقرة المنكّرة التى أمروا فى الابتداء يذبحها فليس يخلو قوله: إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ من أن يكون كناية عن البقرة الأولى، أو عن غيرها، وليس يجوز أن يكون ذلك كناية عن بقرة ثانية، لأن ظاهر قوله: إنّها بقرة من صفتها كذا بعد قولهم: ما هِيَ يقتضي أن يكون كناية متعلقة بما تضمنه سؤالهم، ولأنّ الأمر لو لم يكن على ما ذكرناه لم يكن ذلك جوابا لهم، بل كان يجب أن يكونوا سألوه عن شيء فأجابهم عن غيره، وهذا لا يليق بالنبى عليه السلام.

على أنه لما أراد أن يكلّفهم تكليفا ثانيا عند تفريطهم فى الأول على ما يدعيه من ذهب إلى هذا المذهب قد كان يجب أن يجيبهم عن سؤالهم، وينكر عليهم الاستفهام فى غير موضعه، وتفريطهم فيما أمروا به؛ مما لا حاجة بهم إلى الاستفهام عنه، فيقول فى جواب قولهم: ما هِيَ:


(١) حاشية الأصل: «ش: صفراء فاقعا لونها، ولا فارضا ولا بكرا».
(٢) حاشية الأصل (من نسخة): أن يكونوا».