وقد رمت أسباب السّلوّ فخاننى ... ضمير عليه من هواك رقيب
أغرّك صفحى عن ذنوب كثيرة ... وغضّى على أشياء منك تريب
كأن لم يكن فى النّاس قبلى متيّم ... ولم يك فى الدّنيا سواك حبيب
إلى الله أشكو إن شكوت فلم يكن ... لشكواى من عطف الحبيب نصيب
فقال: ما أحسن هذا الكلام! وأنشدنى لنفسه:
حبيبى حبيب يكتم النّاس أنّه ... لنا حين تلقانا العيون حبيب
يباعدنى فى الملتقى وفؤاده ... وإن هو أبدى لى البعاد قريب
ويعرض عنّى والهوى منه مقبل ... إذا خاف عينا أو أشار رقيب
فتنطق منّا أعين حين نلتقى ... وتخرس منّا ألسن وقلوب
ثم قال: ارويا بنيّ هذين؛ فإنهما من حسن الشّعر وطريفه.
*** روى أحمد بن فارس المنبجيّ عن أبى نصر محمد بن إسحاق النحوىّ قال: سمعت بعض أهل الأدب يقول للزجاج: قد كنت تعرف أبا العباس المبرّد وكبره، وأنه لم يكن يقوم لأحد ولا يتطاول له، وينشد إذا أشرف عليه الرجل:
* ثهلان ذو الهضبات لا يتحلحل (١) *
ولقد رأيته يوما وقد دخل عليه رجل متدرع، فقام إليه أبو العباس فاعتنقه وتنحّى عن موضعه وأجلسه، فجعل الرجل يكفه ويستعفيه من ذلك؛ فلما أكثر من ذلك عليه أنشده أبو العباس:
أتنكر أن أقوم وقد بدا لي ... لأكرمه وأعظمه هشام
فلا تنكر مبادرتى إليه ... فإنّ لمثله خلق القيام (١)
/ فلما انصرف الرجل سألت عنه فقيل لى هذا البحترىّ.
(١) البيتان والخبر فى طبقات النحويين واللغويين للزبيدى: ١١٤.