للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان فى ذريته من يفسد ويسفك الدماء. فعلّم آدم عليه السلام أسماء جميع الأجناس، أو أكثرها (١) ثم قال: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ مقررا لهم ومنبها على ما ذكرناه، ودالا على اختصاص آدم بما لم يخصّوا به. فلما أجابوه بالاعتراف والتسليم إليه علم الغيب الّذي لا يعلمونه، فقال تعالى لهم أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة: ٣٣] منبّها على أنه تعالى هو المنفرد بعلم المصالح فى الدين، وأن الواجب على كل مكلف أن يسلم لأمره، ويعلم أنه لا يختار لعباده إلا ما هو أصلح لهم فى دينهم؛ علموا وجه ذلك أم جهلوه.

وعلى هذا الجواب يكون قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ محمولا على كونهم صادقين فى العلم بوجه المصلحة فى نصب الخليفة، أو فى ظنهم أنهم يقومون بما يقوم به هذا الخليفة، ويكملون له؛ فلولا أن الأمر على ما ذكرناه، وأنّ القول لا يقتضي التكليف لم يكن لقوله تعالى بعد اعترافهم وإقرارهم: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ معنى، لأن التكليف الأول لا يتغير حاله بأن يخبرهم آدم عليه السلام بالأسماء، ولا يكون قوله: إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إلى آخر الآية إلّا مطابقا لما ذكرناه من المعنى؛ دون معنى التكليف؛ فكأنه قال تعالى: إذا كنتم لا تعلمون هذه الأسماء، فأنتم عن علم الغيب أعجز؛ وبأن تسلموا الأمر لمن يعلمه ويدبّر أمركم بحسبه أولى.

فإن قيل: فكيف علمت الملائكة بأن فى ذرية آدم عليه السلام من يفسد فى الأرض، ويسفك الدماء؟ وما طريق علمها بذلك؟ / وإن كانت غير عالمة فكيف يحسن أن تخبر عنه بغير علم!

قلنا: قد قيل إنها لم تخبر وإنما استفهمت؛ فكأنها قالت متعرفة: أتجعل فيها من يفعل كذا وكذا.


(١) م: بعد هذه الكلمة: «وقيل أسماء محمد صلى الله عليه وآله والأئمة من ولده وسلم، وفيه أحاديث مروية».