للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لم تفتها شمس النّهار بشيء ... غير أنّ الشّباب ليس يدوم (١)

أن المراد به الاعتذار من كبرها وعلوّ سنها، فكأنه قال: «لم تفتها شمس النهار بشيء» غير أنها كبيرة طاعنة فى السن، وعذرها فى ذلك أنّ الشباب ليس يدوم لأمثالها. وهذا الّذي ذكروه ليس بشيء، والأشبه والأولى أن يكون مراد حسّان أنّ شمس النهار لم تفتها بشيء غير أنّ شبابها مما لا يدوم، ولا بدّ من أن يلحقها الهرم الّذي لا يلحق الشمس، ولم يرد أنها فى الحال كذلك، وكيف يريد ما توهموه مع قوله:

يا لقوم (٢) هل يقتل المرء مثلى ... واهن البطش والعظام سئوم!

شأنها العطر والفراش ويعلو ... ها لجين ولؤلؤ منظوم

لو يدبّ الحولىّ من ولد الذّرّ ... عليها لأندبتها الكلوم (٣)

وهذه الأوصاف لا تليق بمن طعن فى السنّ من النساء، ولا يوصف بمثلها إلّا الصبيان والأحداث.

ومن العجائب أنّ هذا الاستخراج على ركاكته مسند إلى الأصمعىّ، وما أولى من يكون نتيجة تغلغله، وثمرة توصله مثل هذه الثمرة بالإضراب عن استخراج المعانى والبحث عنها!

ومما فسّره أصحاب المعانى على وجه، وهو بغيره أشبه، وأقلّ الأحوال أن يكون محتملا للأمرين، فلا يقصر على أحدهما قول الخنساء:

يا صخر ورّاد ماء قد تناذره ... أهل الموارد ما فى ورده عار (٤)

/ لأنهم يقولون: مرادها بالبيت ما فى ترك ورده عار، يظنون أنه متى لم يحمل على ذلك لم يكن له فائدة، ولا فيه مدح، ويجرونه مجرى قول المرقّش (٥):


(١) ديوانه: ٩٩، والرواية فيه «لم تفقها».
(٢) من نسخة بحاشيتى الأصل، ف: «يا لقومى».
(٣) أندبتها: أثرت فيها وجرحتها.
(٤) ديوانها: ٧٥.
(٥) هو المرقش الأكبر، والبيت فى المفضليات: ٢٣٩ (طبعة المعارف). ووراء هنا بمعنى أمام؛ ومنه قوله تعالى: وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ. وما يعلم: عاقبة عمله؛ أو الهرم والكبر والضعف.