للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والوجه الثالث أن تكون إِلَّا بمعنى الواو؛ والتأويل: خالدين فيها ما دامت السموات والأرض، وما شاء ربك من الزيادة. واستشهد على ذلك بقول الشاعر:

وكلّ أخ مفارقه أخوه ... لعمر أبيك إلّا الفرقدان (١)

معناه: والفرقدان، ويقول الآخر:

وأرى لها دارا بأغدرة السّ ... يّدان لم يدرس لها رسم (٢)

إلّا رمادا هامدا دفعت ... عنه الرّياح خوالد سحم

والمراد ب «إلا» هاهنا الواو؛ وإلا كان الكلام متناقضا.

والوجه الرابع أن يكون الاستثناء الأول متصلا بقوله: لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ؛ وتقدير الكلام: لهم فى النار زفير وشهيق إلا ما شاء ربك من أجناس العذاب الخارجة عن هذين الضربين، ولا يتعلق الاستثناء بالخلود.

فإن قيل: فهبوا أنّ هذا أمكن فى الاستثناء الأول، كيف يمكن فى الثانى؟

قلنا: يحمل الثانى على استثناء المكث فى المحاسبة والموقف، أو غير ذلك مما تقدّم ذكره.


(١) البيت من شواهد سيبويه (الكتاب ١: ٣٧١)، ونسبه إلى عمرو بن معديكرب، وأورده شاهدا على نعت «كلّ»، بقوله: «إلا الفرقدان»؛ على تأويل «غير». وفى حاشية الأصل:
قوله «إلا الفرقدان» قيل «إلا» بمعنى غير، والتقدير: غير الفرقدين، ومثله قوله تعالى:
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا أى غير الله.
(٢) أغدرة السيدان: موضع وراء كاظمة؛ بين البصرة والبحرين؛ كذا ذكره ياقوت واستشهد بالبيت. والبيتان من قصيدة مفضلية؛ للمخبل السعدى؛ وقبلهما:
ذكر الرّباب وذكرها سقم ... فصبا، وليس لمن صبا حلم
وإذا ألمّ خيالها طرفت ... عينى، فماء شئونها سجم
كاللؤلؤ المسجور أغفل فى ... سلك النّظام فخانه النّظم
وانظر المفضليات ١١٣ - ١١٨ (طبعة المعارف).