للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عاد إليه ولم يضررنى (١) به.

والجواب الخامس أن يكون المعنى أنه يجازيهم على استهزائهم؛ فسمّى الجزاء على الذنب باسم الذنب؛ والعرب تسمّى الجزاء على الفعل باسمه؛ قال الله تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها؛ [الشورى: ٤٠]، وقال تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ؛ [البقرة: ١٩٤]، وقال: وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ؛ [النحل: ١٢٦] والمبتدأ ليس بعقوبة، وقال الشاعر (٢):

ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ومن شأن العرب أن تسمّى الشيء باسم ما يقاربه ويصاحبه، ويشتد اختصاصه وتعلّقه به؛ إذا انكشف المعنى وأمن الإبهام؛ وربما غلّبوا أيضا اسم أحد الشيئين على الآخر لقوة التعلّق بينهما، وشدة الاختصاص فيهما؛ فمثال الأول قولهم للبعير الّذي يحمل المزادة:

راوية، وللمزادة المحمولة على البعير رواية، فسموا البعير باسم ما يحمل عليه؛ قال الشاعر (٣):

/ مشى الرّوايا بالمزاد الأثقل

أراد بالروايا الإبل؛ ومن ذلك قولهم: صرعته الكأس واستلبت (٤) عقله، قال الشاعر:

وما زالت الكاس تغتالنا ... وتذهب بالأوّل الأوّل

والكأس هى ظرف الشراب، والفعل الّذي أضافوه إليها إنما هو مضاف إلى الشراب الّذي يحلّ الكأس إلّا أن [الفراء لا يقول الكأس إلا بما فيه] (٥) من الشراب؛ وكأنّ الإناء


(١) حاشية الأصل (من نسخة: «لم يضرنى».
(٢) هو عمرو بن كلثوم، والبيت من الملعقة: ٢٣٨ - بشرح التبريزى.
(٣) هو أبو النجم العجلى الراجز؛ والبيت من أرجوزته المشهورة التى أولها:
* الحمد لله الوهوب المجزل*
وهى ضمن الطرائف الأدبية ص ٥٥ - ٧١؛ وقبله:
* تمشى من الردّة مشى الحفّل*.
(٤) حاشية الأصل (من نسخة): «فسلبت».
(٥) حاشية الأصل: «نسخة س:
الفراء يقول: الكأس الإناء بما فيه».