للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعضهم بعضا؛ فالأمر مختص بالهبوط، والعداوة تجرى مجرى الحال؛ وهذا له نظائر كثيرة فى كلام العرب. ويجرى مجرى هذه الآية فى أن المراد بها الحال قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ؛ [التوبة: ٥٥] وليس معنى ذلك أنه أراد كفرهم كما أراد تعذيبهم/ وإزهاق نفوسهم؛ بل أراد أن تزهق أنفسهم فى حال كفرهم، وكذلك القول فى الأمر بالهبوط، وهذا بيّن.

*** قال سيدنا أدام الله تمكينه: ومن مستحسن تمدح السادة الكرام قول الشاعر:

ويل أمّ قوم غدوا عنكم لطيّتهم ... لا يكتنون غداة العلّ والنّهل

صدء السرابيل لا توكى مقانبهم ... عجر البطون، ولا تطوى على الفضل

قوله: «ويل أم قوم» من الزّجر المحمود الّذي لا يقصد به الشر؛ مثل قولهم: قاتل الله فلانا ما أشجعه! وترّحه ما أسمحه! وقد قيل فى قول جميل:

رمى الله فى عينى بثينة بالقذى ... وفى الغرّ من أنيابها بالقوادح (١)

إنه أراد هذا المعنى بعينه، وقيل: إنه دعا لها بالهرم وعلوّ السن، لأن الكبير يكثر قذى عينيه وتنهتم أسنانه. وقيل: إنه أراد بعينيها رقيبيها، وبغر أنيابها سادات قومها ووجوههم؛ والأول أشبه بطريقة القوم؛ وإن كان القول محتملا للكل.

فأما قوله:

* لا يكتنون غداة العلّ والنّهل*

فإنما أنهم ليسوا برعاة (٢) يسقون الإبل، بل لهم من يخدمهم ويكفيهم ويرعى إبلهم؛


(١) أمالى القالى ٢: ١٠٩، واللآلى ٧٣٦، والبيت من شواهد الرضى على الكافية (الخزانة ٣: ٩٣). القذى: كل ما وقع فى العينين من شيء يؤذيها كالتراب والعود ونحوها. والغر: جمع أغر وغراء؛ وهو وصف لأسنانها بالبياض. وهو السن. والقوادح: جمع القادح؛ وهو السواد الّذي يظهر فى الأسنان.
(٢) ف، حاشية الأصل (من نسخة): «برعاء».