لا يقدرون على ترك الماضى؛ وهذا مما لا نخالف فيه [وليس فيه ما نأباه](١) من أنهم لا يقدرون فى المستقبل أو فى الحال على مفارقة الضلال والخروج عنه بعد تركه.
وبعد؛ فإذا لم يكن للآية ظاهر، فلم صاروا بأن يحملوا نفى الاستطاعة على أمر كلّفوه/ أولى منا إذا حملنا ذلك على أمر لم يكلّفوه، أو على أنه أراد الاستثقال والخبر عن عظم المشقة عليهم.
وقد جرت عادة أهل اللغة بأن يقولوا لمن يستثقل شيئا: إنه لا يستطيعه، ولا يقدر عليه، ولا يتمكّن منه؛ ألا ترى أنهم يقولون: فلان لا يستطيع أن يكلّم فلانا، ولا ينظر إليه، وما أشبه ذلك، وإنما غرضهم الاستثقال وشدة الكلفة والمشقة.
فإن قيل: فإذا كان لا ظاهر للآية يشهد بمذهب المخالف، فما المراد بها عندكم؟ .
قلنا: قد ذكر أبو على أن المراد أنهم لا يستطيعون إلى بيان تكذيبه سبيلا، لأنه ضربوا الأمثال؛ ظنا منهم بأن ذلك يبيّن كذبه، فأخبر تعالى أن ذلك غير مستطاع؛ لأنّ تكذيب صادق، وإبطال حق مما لا تتعلق به قدرة، ولا تتناوله استطاعة.
وقد ذكر أبو هاشم أن المراد بالآية أنهم لأجل ضلالهم بضرب المثل وكفرهم لا يستطيعون سبيلا إلى الخير الّذي هو النجاة من العقاب والوصول إلى الثواب.
وليس يمكن على هذا أن يقال: كيف لا يستطيعون سبيلا إلى الخير والهدى، وهم عندكم قادرون على الإيمان والتوبة؟ ومتى فعلوا ذلك استحقوا الثواب؛ لأن المراد أنهم مع التمسك بالضلال والمقام على الكفر لا سبيل لهم إلى خير وهدى؛ وإنما يكون لهم سبيل إلى ذلك بأن يفارقوا ما هم عليه.
وقد يمكن أيضا فى معنى الآية ما تقدّم ذكره من أن المراد بنفى الاستطاعة عنهم أنهم مستثقلون للإيمان؛ وقد يخبر عمن استثقل شيئا بأنه لا يستطيعه على ما تقدم ذكره.