للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخامسها أن يكون معنى ذلك: اشتدّ غضب الله تعالى عليهم، وحلّ وقوع نقمته بهم؛ فذكر تعالى التّنّور مثلا لحضور العذاب، كما تقول العرب: قد حمى الوطيس (١)؛ إذا اشتد الحرب، وعظم الخطب. والوطيس هو التّنّور. وتقول العرب أيضا: قد فارت قدر القوم إذا اشتد حربهم؛ قال الشاعر:

تفور علينا قدرهم فنديمها ... ونفثؤها عنّا إذا حميها غلا (٢)

أراد بقدرهم حربهم، ومعنى نديمها: نسكّنها، ومن ذلك الحديث المروى عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن البول فى الماء الدائم؛ يعنى الساكن. ويقال: قد دوّم الطائر فى الهواء، إذا بسط جناحيه وسكنهما ولم بخفق بهما. ونفثؤها، معناه نسكّنها؛ يقال: قد فثأت غضبه عنى، وفثأت الحارّ بالبارد/ إذا كسرته به.

وسادسها أن يكون التنّور الباب الّذي يجتمع فيه ماء السفينة؛ فجعل فوران الماء منه والسفينة (٣) على الأرض علما على ما أنذر به من إهلاك قومه؛ وهذا القول يروى عن الحسن.

وأولى الأقوال بالصواب قول من حمل الكلام على التنّور الحقيقى؛ لأنه الحقيقة وما سواه مجاز؛ ولأن الروايات الظاهرة تشهد له؛ وأضعفها وأبعدها من شهادة الأثر قول من حمل ذلك على شدة الغضب واحتداد الأمر تمثيلا وتشبيها؛ لأن حمل الكلام على الحقيقة التى تعضدها الرواية أولى من حمله على المجاز والتوسع مع فقد الرواية.

وأىّ المعانى أريد بالتنوّر فإن الله تعالى جعل فوران الماء منه علما لنبيّه؛ وآية تدلّ على نزول العذاب بقومه؛ لينجو بنفسه وبالمؤمنين.


(١) حاشية الأصل: «روى أن أول من تكلم بحمى الوطيس رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال عليه السلام: «الآن حمى الوطيس».
(٢) البيت فى اللسان (فثأ)، ومقاييس اللغة (٢: ٣١٥) منسوبا إلى النابغة الجعدى.
(٣) ضبطت فى الأصل بالفتح والضم معا؛ وفى حاشية الأصل:
«إذا نصبت كان عطفا على «فوران» ويكون «على الأرض» حالا؛ والرفع أولى».