قف بالدّيار التى لم يعفها القدم ... بلى، وغيّرها الأرواح والدّيم (١)
وكما قال الآخر:
فلا تبعدن يا خير عمرو بن مالك ... بلى، إنّ من زار القبور ليبعدا
أراد «ليبعدن»، فأبدل الألف من النون الخفيفة؛ وهذا وجه ضعيف، وبيت زهير ليس يجب فيه ما توهّم من المناقضة والتكذيب؛ لأنه يمكن أن يحمل على ما ذكرناه فى أحد الوجوه المتقدمة؛ من أنه أراد أنّ رسمها لم يعف ولم يبطل كلّه، وإن كان قد غيّرت الدّيم والأرواح بعضه وأثّرت فى بعض.
فأما البيت الثانى فلا حجّة فيه؛ لأنه لم يتضمن إثباتا ونفيا، وإنما دعاء له ألا يبعد، ثم رجع إلى قوله:«بلى» إنه ليبعد من زار القبور، وما يدعى به غير واجب ولا ثابت، فكيف ينافى الإثبات الثانى!
ويمكن فى البيت وجه آخر، وهو أن يكون معنى:«لم يعف رسمها» أى لم يزد ويكثر فيظهر حتى يعرفه المترسّم؛ ويثبته المتأمل، بل هو خاف غير لائح ولا ظاهر. ثم قال من بعد:
* فهل عند رسم دارس من معوّل*
فلم يتناقض الأول؛ لأنه قد أثبت الدروس له فى كلا الموضعين. ولا شبهة فى أن «عفا» من حروف الأضداد التى تستعمل تارة فى الدروس، وأخرى فى الزيادة والكثرة؛ قال الله تعالى:
حَتَّى عَفَوْا؛ [الأعراف: ٩٥]؛ أى كثروا؛ ويقال: قد عفا الشّعر إذا كثر، وقال الشاعر: