للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وماء كلون الغسل قد عاد آجنا ... قليل به الأصوات فى بلد محل (١)

وجدت عليه الذّئب يعوى كأنّه ... خليع خلا من كلّ مال ومن أهل (٢)

فقلت له: يا ذئب هل لك فى فتى ... يواسى بلا منّ عليك ولا بخل؟

فقال: هداك الله للرّشد! إنّما ... دعوت لما لم يأته سبع قبلى

فلست بآتيه ولا أستطيعه ... ولاك اسقنى إن كان ماؤك ذا فضل (٣)

فقلت: عليك الحوض إنّى تركته ... وفى صغوه فضل القلوص من السّجل (٤)

فطرّب يستعوى ذئابا كثيرة ... وعدّيت، كلّ من هواه على شغل (٥)

*** وروى أن الفرزدق نزل بالغريّين فعراه بأعلى ناره ذئب، فأبصره مقعيا يصيء ومع الفرزدق مسلوخة، فرمى إليه بيد فأكلها، فرمى إليه بما بقى فأكله؛ فلما شبع ولى عنه فقال:

وليلة بتنا بالغريّين ضافنا ... على الزّاد موشيّ الذّراعين أطلس (٦)

تلمّسنا حتى أتانا ولم يزل ... لدن فطمته أمّه يتلمّس


(١) قال البغدادى: «كان النجاشىّ عرض له ذئب فى سفر له، فدعاه إلى طعام وقال له: هل لك ميل فى أخ- يعنى نفسه- يواسيك فى طعامه بغير من ولا بخل؟ فقال له الذئب: قد دعوتنى إلى شيء لم يفعله السباع قبلى من مؤاكلة بنى آدم، وهذا لا يمكننى فعله، ولست بآتيه ولا أستطيعه؛ ولكن إن كان فى مائك الّذي معك فضل عما تحتاج إليه فاسقنى منه. وهذا الكلام وضعه النجاشىّ على لسان ذئب؛ كأنه اعتقد فيه أنه لو كان ممن يعقل أو يتكلم لقال هذا القول. وأشار به إلى تعشقه للفلوات التى لا ماء فيها، فيهتدى الذئب إلى مظانه فيها» والغسل: ما يغسل به من سدر ونحوه، والآجن: الماء المتغير الطعم.
وفى المعانى «كلون البول».
(٢) الخليع: الّذي خلعه أهله لجناية وتبرءوا منه.
(٣) البيت من شواهد الرضى على أن حذف النون من «لكن» لالتقاء الساكنين ضرورة؛ تشبيها بالتنوين أو بحرف المد واللين من حيث كانت ساكنة. وأورده سيبويه فى باب ضرورة الشعر (الكتاب ١: ٩) وقال الأعلم: «حذف النون لالتقاء الساكنين ضرورة لإقامة الوزن؛ وكان وجه الكلام أن يكسر لالتقاء الساكنين، شبهها فى الحذف بحرف المد واللين؛ إذا سكنت وسكن ما بعدها؛ نحو يغزو العدو، ويقضى الحق، ويخشى الله».
(٤) الصغو: الجانب المائل؛ وضبطت فى الأصل بالفتح والكسر معا، والسجل: الدلو العظيمة.
(٥) التطريب: ترجيع الصوت ومده.
(٦) ديوانه: ٤٨٥، وحماسة ابن الشجرى ٢٠٨. أطلس: أغبر تعلوه حمرة.