للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحسن أيضا غاية الإحسان فى قوله:

أغشى الخطوب فإمّا جئن مأربتى ... فيما أسيّر أو أحكمن تأديبى (١)

إن تلتمس أخلاف الخطوب (٢) وإن ... تلبث مع الدّهر تسمع بالأعاجيب

وفى قوله:

متى تستزد فضلا من العمر تغترف ... بسجليك من شهد الخطوب وصابها (٣)

تشذّبنا (٤) الدّنيا بأخفض سعيها ... وغول الأفاعى بلّة من لعابها

يسرّ بعمران الدّيار مضلّل ... وعمرانها مستأنف من خرابها

ولم أرتض الدّنيا أوان مجيئها ... فكيف ارتضائيها أوان ذهابها!

أفول لمكذوب عن الدّهر زاغ عن ... تخيّر آراء الحجى وانتخابها

سيرديك أو يثويك أنّك محلس ... إلى شقّة يبكيك بعد مآبها (٥)

وهل أنت فى مرموسة طال أخذها ... من الأرض إلا حفنة من ترابها (٦)

وجدت الآمدىّ يروى فى هذا البيت «أنك محبس» بالباء؛ وتفسير ذلك أنّ المعنى أنك موقوف إلى أن تصير إلى هذا؛ من قولك: أحبست فرسا فى سبيل الله، وأحبست دارا؛ أى أى وقفتها. والرواية المشهورة: «أنك مجلس» باللام؛ والمعنى أنك متهيئ للرحيل ومتخذ حلسا.

والحلس: هو الكساء الّذي يوضع تحت الرحل؛ وهذا أشبه بالمعنى الّذي قصده البحترىّ؛ وأولى بأن يختاره؛ مع دقة طبعه وسلامة ألفاظه.


(١) ديوانه ١: ٦٩.
(٢) فى الديوان: «الأمور».
(٣) ديوانه: ١: ٤٧، وفى حاشية الأصل (من نسخة): «شهد الأمور».
(٤) حاشية الأصل (من نسخة): «تسيرنا».
(٥) محلس: مقيم. والشقة: الطريقة.
(٦) حاشية الأصل (من نسخة): «حثوة».