على أنا لا نسلّم أن من يفعل أفعال العباد ويخلقها يستحق العبادة؛ لأن من جملة أفعالهم القبائح، ومن فعل القبائح لا يكون إلها، ولا تحقّ له العبادة؛ فخرج ما ذكروه من أن يكون مؤثرا بانفراده فى العبادة.
على أن إضافته العمل إليهم بقوله: تَعْمَلُونَ يبطل تأويلهم الآية؛ لأنه لو كان تعالى خالقا له (١) لم يكن عملا لهم؛ لأن العمل إنما يكون لمن يحدثه ويوجده، فكيف يكون عملا لهم والله خلقه! وهذه مناقضة، فثبت بهذا أن الظاهر شاهد لنا أيضا.
على أن قوله: وَما تَعْمَلُونَ يقتضي الاستقبال؛ وكل فعل لم يوجد فهو معدوم.
ومحال أن يقول تعالى: إنى خالق للمعدوم!
فإن قالوا: اللفظ وإن كان للاستقبال فالمراد به المضىّ؛ فكأنه قال: والله خلقكم وما عملتم!
قلنا: هذا عدول منكم عن الظاهر الّذي ادّعيتم أنكم متمسكون به؛ وليس أنتم بأن تعدلوا عنه بأولى منا؛ بل نحن أحق؛ لأنا نعدل عنه لدلالة؛ وأنتم تعدلون بغير حجة.
فإن قالوا: فأنتم أيضا تعدلون عن هذا الظاهر بعينه على تأويلكم، وتحملون لفظ الاستقبال على لفظ الماضى.
قلنا: لا نحتاج نحن فى تأويلنا إلى ذلك؛ لأنا إذا حملنا قوله تعالى: وَما تَعْمَلُونَ على الأصنام المعمول فيها- ومعلوم أن الأصنام موجودة قبل عملهم فيها- فجاز أن يقول تعالى:
إنى خلقتها؛ ولا يجوز أن يقول: إنى خلقت ما سيقع من العمل فى المستقبل.
على أنه تعالى/ لو أراد بذلك أعمالهم؛ لا ما عملوا فيه على ما ادعوه لم يكن فى الظاهر حجة على ما يريدون؛ لأن الخلق هو التقدير والتدبير؛ وليس يمتنع فى اللغة أن يكون الخالق خالقا لفعل غيره إذا قدّره ودبّره؛ ألا ترى أنهم يقولون: خلقت الأديم؛ وإن لم يكن الأديم فعلا لمن يقال