للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولقائل أن يقول: إن عيسى عليه السلام لم يبعث إلا إلى بنى إسرائيل خاصة دون العرب؛ وبذلك نطق القرآن. وله أن يقول: إن الآباء الأبعدين والأدنين فى الآية سواء. والّذي يؤيد ذلك قوله تعالى: قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ... ؛ [المائدة: ١٩]؛ الآية (١) إلى آخرها، وقد صحّ بالجملة والتفصيل أنّ الآباء لم ينذروا، وأن «ما» للنفى فى موضعها من الآية دون الإثبات؛ فكيف القول فى الحجة عليهم؟ ولا يحتج محتج بأن العقل هو الحجة عليهم دون الإنذار والرسل؛ لأن العقل حجّة على من أنذر وعلى من لم ينذر؛ وعليه معوّل الفلاسفة فى الاستغناء عن الرسل والأنبياء عليهم السلام.

*** الجواب عن المسألة أن الأولى (٢): أن يكون اسم الله تعالى الأعظم خارجا عن هذه الأسماء والصفات التى فى أيدى الناس يناجون الله تعالى بها، ويدعونه ويسألونه؛ لأنّ ذلك الاسم لو كان من جملتها- وقد أجمعوا على أنّ الله تعالى لم يسأل به شيئا إلا أعطاه- لكان يجب فى كل داع بهذه الأسماء والصفات إذا كان الاسم من جملتها أن تجاب دعوته، وتنجح مسألته، وقد علمنا خلاف ذلك، وأنّ أكثر الداعين بهذه الأسماء المسطورة غير مجابين؛ فعلمنا أنّ «الأعظم» ليس من جملتها.

فإذا قيل لنا: فلم خصّ الله تعالى بهذا الاسم قوما دون قوم، ولم يجره مجرى سائر أسمائه؟

فالجواب أنه تابع للمصلحة، وإذا كان المعلوم أن كلّ سائل بذلك الاسم مجاب لا محالة، فمن علم أنّ فى إجابته مفسدة لا يجوز أن يمكّن من ذلك الاسم.

فإذا قيل: فينبغى لمن يسأله تعالى، وقال: بحقّ اسمك الأعظم، اعطنى كذا أن يجاب لا محالة؛ وقد علمنا خلاف ذلك؟ فالجواب أنه غير ممتنع أن تكون الإجابة إنما تكون واجبة عند التصريح والتلفّظ بهذا الاسم دون الكناية عنه.


(١) بقية الآية: أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
(٢) انظر ص ٣١٩ من هذا الجزء.