والجواب عن المسألة الثانية (١) أنه غير ممتنع عندنا أن يخلو الزمان الطويل والقصير من رسول مبعوث بشريعة؛ وإن كان لا يخلو من إمام؛ ولهذا يقول أصحابنا: إن الإمامة واجبة فى كلّ زمان؛ وليست كذلك النبوة.
والوجه فيه أنّ إرسال الرسول تابع لما يعلمه الله من المصالح للمكلّفين فى الشرائع والعبادات؛ وغير بعيد فى العقل أن يعلم تعالى أنّه لا شيء من الشرائع فيه مصلحة للمكلّفين؛ فلا تجب الرّسالة بل لا تحسن. فأما قوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا، وقوله: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ وقوله: وَما أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَها مُنْذِرُونَ؛ فيجوز أن يكون مخصوصا غير عام؛ ويعنى به من الشرائع والعبادات من ألطافه؛ فإن دلّ دليل قاطع على عموم هذه الظواهر قطعنا لأجله على أن الشرائع من ألطاف المكلّفين؛ وإن كان جائزا فى العقل ألّا يكون الأمر على ذلك.
وقد اختلف أهل التأويل فى تأويل هذه الآية، فقال جماعة: إن لفظة «ما» هاهنا للنفى، والمراد أن آباءهم ما أنذروا، لأنّ المصلحة لم تقتض بعثة رسول إليهم؛ وليس من المعلوم لنا أنّ عيسى عليه السلام كان الحجة على كلّ مكلّف كان بين زمانه وبين زمان نبيّنا عليه السلام.
ويقوّى هذا الجواب إثبات الفترة وأنّه عليه السلام بعث على فترة من الرسل.
وذهب قوم من أهل التأويل إلى أن «ما» فى الآية ليست للنّفى بل للإثبات؛ والمراد:
لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم؛ وهذا أيضا جائز.
ويقوّى هذا الجواب ويضعف الأول أن قوله تعالى: فَهُمْ غافِلُونَ يقتضي الذمّ لهم بالغفلة؛ وذلك يقتضي أنهم أنذروا فغفلوا وأعرضوا. ولا يذمّ بالغفلة من لا سبيل له إلى العلم والتبين.
وفى الناس من حمل قوله تعالى: ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ على النفى، والمراد أنه لم ينذرهم من هو منهم وعلى نسبهم ومن أنفسهم؛ كما قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ