مُسْتَقْبِلَاتٍ لِعِدَّتِهِنَّ فَالْعِدَّةُ سَمَّاهَا الشَّرْعُ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ وَنَهَى عَنْ التَّزْوِيجِ فِيهَا بِقَوْلِهِ {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: ٢٣٥] وَلِذَا قَالَ مُدَّةُ مَنْعِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ مُدَّةِ الْمُحْرِمَةِ أَوْ الْمُحْرِمِ أَوْ الْمَرَضِ الْمَخُوفِ وَقَوْلُهُ الْمُرَادُ بِهِ عَقْدُ النِّكَاحِ ثُمَّ قَالَ " لِفَسْخِهِ " أَخْرَجَ بِهِ مَا ذَكَرْنَا وَبَعْضَ صُوَرِ الِاسْتِبْرَاءِ.
(فَإِنْ قُلْتَ) أَطْلَقَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ لِفَسْخِهِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا فُسِخَ فِيهِ الْعِدَّةُ مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ (قُلْتُ) كَذَلِكَ وَقَعَ فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ شَارِحُهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا وَمَا فُسِخَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَالْعِدَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْعِدَّةِ فِي الصَّحِيحِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَثَلَاثُ حِيَضٍ وَقِيلَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَثَلَاثٌ وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ وَالرَّسْمُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا نِكَاحَ فَيَفْسَخُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ " أَوْ مَوْتِ الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ " هَذِهِ أَسْبَابُ الْعِدَّةِ وَأَخْرَجَ بِهَا بَقِيَّةَ الِاسْتِبْرَاءِ وَالضَّمِيرُ الْعَائِدُ عَلَى النِّكَاحِ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَتَدْخُلُ مُدَّةُ مَنْعِ الزَّوْجِ إلَخْ أَشَارَ بِذَلِكَ لِمَسْأَلَةٍ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا وَهِيَ هَلْ الْعِدَّةُ مِنْ عَوَارِضِ الْمَرْأَةِ أَوْ تَعْرِضُ لِلرَّجُلِ الْعِدَّةُ شَرْعًا كَمَا إذَا كَانَ لِرَجُلٍ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَطَلَّقَ وَاحِدَةً طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً مُدَّةَ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ لِأَنَّهَا فِي الْعِصْمَةِ فَيَصْدُقُ عَلَى زَمَنِ مَنْعِ الزَّوْجِ مِنْ النِّكَاحِ عِدَّةٌ لِصِدْقِ الْحَدِّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ أُرِيدَ إخْرَاجُهُ قِيلَ مُدَّةَ مَنْعِ الْمَرْأَةِ النِّكَاحَ إلَخْ وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(فَإِنْ قُلْتَ) جَرَتْ عَادَةُ الشَّيْخِ مِرَارًا فِي مِثْلِ هَذَا إذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ حَدِّهِ عَلَى رَأْيٍ وَعَلَى رَأْيٍ آخَرَ يُقَالُ مَنَعَ الزَّوْجُ إلَخْ وَذَلِكَ أَخْصَرُ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.
(قُلْتُ) الْجَوَابُ بِأَنَّ الْقَوْلَ فِي مَسَائِلِ الْمَذْهَبِ بِأَنَّ ذَلِكَ عِدَّةُ ضَعِيفٍ فَضَعُفَ عِنْدَهُ الْقَوْلُ فَلِذَا عَيَّنَ مَا هُنَا وَفِيهِ بَحْثٌ بِمَا ضَعُفَ بِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الرَّجْعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ مَسَائِلِ اسْتِبْرَاءِ الْمُدَوَّنَةِ وَاحْتَاجَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى أَنَّ فِي الْمُدَوَّنَةِ إطْلَاقَ الْعِدَّةِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ وَالشَّيْخُ أَخْرَجَ الِاسْتِبْرَاءَ مِنْ حَدِّ الْعِدَّةِ وَأَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَطْلَقَ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ عِدَّةً وَالْأَصْلُ الْحَقِيقَةُ.
فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ وَكَذَلِكَ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الْمُدَوَّنَةِ بِأَنَّ مُدَّةَ الْمَنْعِ لِأَجْلِ فَسْخِ النِّكَاحِ أَطْلَقَ عَلَيْهَا عِدَّةً ذَلِكَ صَحِيحٌ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَقَعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute