لَا يَخْفَى مِنْ أَوْجُهٍ عَدِيدَةٍ وَلَعَلَّ النَّاقِلَ لَمْ يُتْقِنْ نَقْلَهُ وَفَهْمَهُ وَنُقِلَ عَنْهُ فِي رَسْمِ الصَّانِعِ أَنَّهُ قَالَ الصَّانِعُ هُوَ بَائِعُ مَنْفَعَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ (قُلْتُ) هَذَا فِيهِ بَحْثٌ لَا يَخْفَى لِصِدْقِهِ عَلَى الْأَجِيرِ وَالْأَجِيرُ غَيْرُ الصَّانِعِ عُرْفًا لِاخْتِلَافِ لَفْظِهِمَا وَلَوَازِمِهِمَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا ذَكَرْته فِي مُخْتَصَرِي هُوَ حُكْمُ الصَّنْعَةِ لَا تَعْرِيفُهَا وَهَذَا الْكَلَامُ كُلُّهُ لَمْ أَثِقْ بِنَقْلِهِ عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ مَا نُقِلَ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُغْنِي عَنْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ الْمُوَفِّقُ
وَاَلَّذِي فِي مُخْتَصَرِهِ فِي تَعْرِيفِ الصَّانِعِ أَنَّهُ الْمُنْتَصِبُ لِبَيْعِ صَنْعَتِهِ بِمَحَلِّهِ وَهَذَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفًا لِلصَّانِعِ الضَّامِنِ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمُنْتَصِبُ مَنْ أَقَامَ نَفْسَهُ لِعَمَلِ الصَّنْعَةِ الَّتِي اُسْتُعْمِلَ فِيهَا بِسُوقِهَا أَوْ دَارِهِ وَغَيْرُ الْمُنْتَصِبِ مَنْ لَمْ يُقِمْ نَفْسَهُ لَهَا وَلَا مِنْهَا مَعَاشُهُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ هَذَا رَسْمٌ لِلصَّانِعِ الْمُنْتَصِبِ وَفِيهِ ذَكَرَ الصَّنْعَةَ فِي رَسْمِهِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ إلَّا أَنْ يُقَالَ الصَّانِعُ مَعْلُومٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّمْيِيزُ لِلْمُنْتَصِبِ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ظَاهِرُهُ وَلَوْ كَانَ انْتِصَابُهُ لِجَمَاعَةٍ خَاصَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ عِيَاضٍ أَنَّ الْخَاصَّ لِجَمَاعَةٍ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَالَ وَنَحْوُهُ لِابْنِ رُشْدٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يُعَرِّفْ الصَّنْعَةَ كَمَا عَرَّفَ الْإِجَارَةَ (قُلْتُ) الْإِجَارَةُ قَدْ عَرَّفَهَا وَيَصْدُقُ عَلَى الصَّنْعَةِ تَعْرِيفُهَا غَايَتُهَا أَنَّهَا اخْتَصَّتْ بِاسْمٍ يَخُصُّهَا كَالْأَصْنَافِ تَحْتَ نَوْعٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْإِجَارَةِ كَمَا يُقَالُ الْإِنْسَانُ وَالصَّقْلَبِيُّ لَا يُقَالُ بِأَنَّهَا خَارِجَةٌ عَنْهَا لِأَنَّ اخْتِلَافَ اللَّوَازِمِ يُؤْذِنُ بِاخْتِلَافِ الْمَلْزُومَاتِ وَمِنْ لَازِمِ الْإِجَارَةِ عَدَمُ الضَّمَانِ وَمِنْ لَازِمِ الصَّنْعَةِ الضَّمَانُ لِأَنَّا نَقُولُ ضَمَانُ الصَّانِعِ خَارِجٌ عَنْ أَصْلِ قِيَاسِ الْأَجِيرِ لَكِنْ أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِيهِ وَاللَّازِمُ هُنَا لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ أَصْلِهِ لَكِنْ لِعَارِضٍ عَرَضَ لَهُ وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا وَقَعَ الْجَوَابُ بِهِ لِلشَّيْخِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ سَبَبُ إيجَابٍ لَاحِقٍ لَا يُنَافِي السَّابِقَ وَأَيْضًا ضَمَانُ الصَّانِعِ ضَمَانُ تُهْمَةٍ لَا ضَمَانُ أَصَالَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) الصَّانِعُ الْمُنْتَصِبُ لِلصَّنْعَةِ قَدْ ذَكَرَ فِيهِ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَسْلِيمِ صَنْعَتِهِ هَلْ هُوَ كَمُعَيَّنٍ مَبِيعٍ أَوْ مَضْمُونٍ (قُلْتُ) ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِرَسْمِهِ بِوَجْهٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِ الضَّمَانِ وَبَيَانِهِ أَنَّهُ إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى هَلَاكِ الْمَصْنُوعِ بَعْدَ صَنْعَتِهِ وَكَانَ مُنْتَصِبًا فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا أَجْرَ لِلصَّانِعِ وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ بِعَدَمِ الضَّمَانِ وَثُبُوتِ الْأَجْرِ لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الصَّنْعَةَ كَمَبِيعٍ مَضْمُونٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ رَآهَا كَمَبِيعٍ مُعَيَّنٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَبِفَضْلِهِ وَمِنَّتِهِ يُوصِلُنَا إلَى مَعْرِفَةِ التَّحْقِيقِ.
[كِتَابُ الْجُعْلِ]
(ج ع ل) :
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute