ابْنِ عَرَفَةَ بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهَا أَوْ وَدِيعَةٌ رُجُوعُ الْوَدِيعَةِ إلَى الْأَرْضِ فَقَدْ صَدَقَ أَنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ وَدِيعَةً فَصَحَّ أَنَّ الرُّبْعَ شَرْعًا يَصِحُّ إيدَاعُهُ فَبَطَلَ اشْتِرَاطُهُ فِي الْحَدِّ أَنَّ الْمُودَعَ مِمَّا يُنْقَلُ وَبَطَلَ رَدُّهُ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ.
قَالَ وَقَوْلُهُ وَدَعْوَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ إلَخْ هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ ظَاهِرَ الْمُدَوَّنَةِ كَمَا ذَكَرْت بَلْ الْوَدِيعَةُ تَرْجِعُ إلَى الرَّقِيقِ وَالْعَارِيَّةُ تَرْجِعُ إلَى الدَّارِ وَالْكِرَاءُ إلَى الْأَرْضِ لَفًّا وَنَشْرًا مُرَتَّبًا، فَقَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُسَلَّمًا لَكِنَّهُ بَعِيدٌ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الظَّاهِرِ وَلَا دَلِيلَ يَصْرِفُهُ عَنْهُ هَذَا مَعْنَى مَا ذَكَرَ الشَّيْخَانِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَى الرَّدِّ عَلَى الشَّيْخِ إنْسَانٌ عَيَّنَ صُدُورَ الزَّمَانِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ، وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الشَّيْخَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي تَعْرِيفِهِ لِهَذِهِ الْحَقَائِقِ إنَّمَا يُعَرِّفُ مِنْهَا مَا كَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَوْ تَمَالَتْ عَلَى إطْلَاقِهِ أُمَّهَاتِ الْكُتُبِ، وَقَدْ قَالُوا أَوْدَعْت الثَّوْبَ وَالدَّابَّةَ وَالْمَالَ وَلَمْ يَقُولُوا أَوْدَعْت الدَّارَ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ لَا يُقَالُ قَوْلُ الْقَائِلِ وَلَمْ يَقُولُوا شَهَادَةً عَلَى النَّفْيِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ إطْلَاقِهِمْ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إطْلَاقِ الْحَقِيقَةِ الْعُرْفِيَّةِ ثُبُوتُ الْإِطْلَاقِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهَذَا كَافٍ فِي اسْتِدْلَالِهِ فَإِذَا سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَرَدُّهُمَا بِمَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ فِي إطْلَاقِ الْوَدِيعَةِ عَلَى مَا لَا يُنْقَلُ لَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِهِ وَتَأْوِيلُهُ بِمَا ذَكَرْنَا يُعَيِّنُ اللَّفَّ وَالنَّشْرَ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ الظَّاهِرَ مَا ذُكِرَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ إذَا صَحَّ الِاسْتِقْرَاءُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ ذَلِكَ لَا يُعَيِّنُ مَا ذُكِرَ لِلْوَدِيعَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ الْأَغْلَبُ هُوَ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ ذَلِكَ مَرَّةً لَا يُوجِبُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُوجِبُهَا كَثْرَةُ الْإِطْلَاقَاتِ فَصَحَّ مِنْ هَذَا رَسْمُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَرَدِّهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ طَرْدًا وَعَكْسًا وَتَأَوُّلُ مَسْأَلَةِ الْمُدَوَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَلَامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كِتَابُ الْوَدِيعَةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَيْسَ فِي مَسَائِلِهَا مَا لَا يُنْقَلُ وَذَلِكَ أَوْلَى بِالْأَخْذِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَذَلِكَ كُلُّهُ جَلِيٌّ.
[بَابُ الْمُودِعِ]
(ود ع) : بَابُ الْمُودِعِ بِكَسْرِ الدَّالِ
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي الْوَدِيعَةِ بِمِلْكٍ أَوْ تَفْوِيضٍ أَوْ وِلَايَةٍ فَيَدْخُلُ الْقَاضِي فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَالْغَائِبِ وَالْمَسْجُونِ قَوْلُهُ " مَنْ لَهُ التَّصَرُّفُ " هَذَا جِنْسٌ قَوْلُهُ " بِمِلْكٍ " إلَخْ جَمَعَ بِذَلِكَ أَقْسَامَ الْمُوَدِّعِينَ فَيَدْخُلُ الْمَالِكُ أَوْ نَائِبُهُ وَالْوَصِيُّ وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute