للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«وَمَا يُدْرِيك أَنَّهَا رُقْيَةٌ اضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ» قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ كَوْنِ إقْرَارِهِ إيَّاهُمْ عَلَى ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ إيَّاهُ بِالضِّيَافَةِ فَأَجَازَ لَهُمْ اسْتِخْلَاصَ ذَلِكَ بِالرُّقْيَةِ وَهِيَ رُخْصَةٌ اتِّفَاقًا وَكَانَ يَمُرُّ لَنَا أَنَّ فِيهِ بَحْثًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ صَحَّ احْتِمَالُهُ فَلَيْسَ كُلُّ احْتِمَالٍ فِي الْفَرْعِيَّاتِ يُسْقِطُ الِاسْتِدْلَالَ وَالرَّاجِحُ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فَإِنْ قِيلَ عَلَيْهِ كَيْفَ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُمْ قَطَعُوا الْمَعْرُوفَ عَنْهُمْ لِقَطْعِهِمْ وَقَدْ صَرَّحُوا فِي التَّعْلِيلِ بِهِ وَقَدْ بُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَمِنْهَا أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَك وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي حَالِ حَاجَةٍ وَخَوْفٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

(فَإِنْ قُلْتَ) قَدَّمَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْجِعَالَةَ وَالْإِجَارَةَ وَعَلَى رَسْمِ كُلٍّ مِنْهُمَا فَأَيُّ صُورَةٍ تَعَيَّنَتْ لِلْإِجَارَةِ أَوْ الْجِعَالَةِ فَظَاهِرٌ صَدَقَ الْحَدُّ فِيهِمَا وَقَدْ تَكُونُ الصُّورَةُ مُحْتَمِلَةٌ لَهُمَا مِثْلُ قَوْلِهَا الْقِطُّ زَيْتُونِيٌّ فَمَا لَقَطْتَ مِنْ شَيْءٍ فَلَكَ نِصْفُهُ فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ إجَارَةٌ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ الْجَوَازُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جِعَالَةٌ (قُلْتُ) لَعَلَّهُ يَنْظُرُ إلَى مَا غَلَبَ فِيهِ لَازِمُ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجِعَالَةِ فَيُعَيَّنُ ذَلِكَ بِمَا غَلَبَ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ.

[بَابٌ فِي شَرْطِ الْجَاعِلِ]

ِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرْطُهُ أَهْلِيَّةُ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِمَا أَشَارَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْمُعَاوَضَةِ وَأَنْ يَكُونَ الْجَاعِلُ وَالْمَجْعُولُ لَهُ مِمَّنْ تَصِحُّ مُعَاوَضَتُهُ لِرُشْدِهِ أَوْ مَنْ نَابَ عَنْ مَحْجُورِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يُشْتَرَطُ فِي لُزُومِ الْبَيْعِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَالَ ابْنُ شَاسٍ وَابْنُ الْحَاجِبِ شَرْطُهُمَا أَهْلِيَّةُ الِاسْتِئْجَارِ وَالْعَمَلِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْعَمَلِ أَنَّ عَمَلَ الْجِعَالَةِ قَدْ يَمْتَنِعُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ كَمَا يُؤَاجَرُ ذِمِّيٌّ عَلَى طَلَبِ مُصْحَفٍ لِرَبِّهِ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ مُدَّةَ حَيْضِهَا قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الِامْتِنَاعُ إنَّمَا هُوَ شَرْعِيٌّ وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِقَصْدِ الْجِعَالَةِ عَلَى الْجَائِزِ مِنْهَا وَالْأَظْهَرُ اعْتِبَارُهَا مِنْ حَيْثُ ذَاتُهَا وَيُفَسَّرُ الِامْتِنَاعُ بِالِامْتِنَاعِ الْعَادِي كَمُجَاعَلَةِ مَنْ لَا يُحْسِنُ الْعَوْمَ عَلَى رَفْعِ مَتَاعٍ مِنْ بِئْرٍ كَثِيرَةِ الْمَاءِ طَوِيلَةٍ (فَإِنْ قُلْتَ) هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رُبَّمَا يُقَالُ إنَّهُ أَيْضًا امْتِنَاعٌ شَرْعِيٌّ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِ النَّفْسِ وَهُوَ حَرَامٌ (قُلْتُ) الْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ الْمُحَرَّمَ لَيْسَ مَقْصُودًا فِي أَصْلِ

<<  <   >  >>