ظَاهِرُ قَوْلِهِ " وَيَدْخُلُ اسْتِبْرَاءُ الْحُرَّةِ " يَعْنِي أَنَّ الْحُرَّةَ يَقَعُ الِاسْتِبْرَاءُ فِيهَا بِثَلَاثِ حِيَضٍ كَمَا إذَا زَنَتْ ثُمَّ قَالَ " وَلَوْ لِلِعَانٍ " يَعْنِي وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ لِيَعْتَمِدَ عَلَيْهِ فِي اللِّعَانِ إذَا أَرَادَهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِثَلَاثِ حِيَضٍ (فَإِنْ قُلْتَ) صُورَةُ اللِّعَانِ قَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ الشَّيْخُ بِهَا عَلَى حَدِّ الْقَرَافِيُّ وَهُنَا قَدْ أَدْخَلَهَا فِي حَدِّهِ (قُلْتُ) صَحَّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْقَرَافِيُّ حَقَّقَ الطَّلَبَ فِي الْمَحْدُودِ وَأَتَى بِجِنْسٍ لَا يُنَاسِبُهُ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ اسْتِبْرَاءَ اللِّعَانِ لَا يَكُونُ عَنْ طَلَبٍ بَلْ فِيهِ مُدَّةُ دَلِيلِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ حَيْضَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ وَقَدْ وَقَعَتْ فَاعْتَمَدَ الزَّوْجُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) اللِّعَانُ إذَا تَمَّ يَقَعُ فِيهِ الْفَسْخُ قِيلَ بِطَلَاقٍ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ بِحُكْمٍ مِنْ الْحَاكِمِ وَنُسِبَ هَذَا لِابْنِ الْقَاسِمِ وَقِيلَ لَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمٍ وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَسَائِلَ مَعْلُومَةً وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ كَيْفَ تَدْخُلُ مُدَّةُ مَا بَعْدَ اللِّعَانِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ بَلْ تَدْخُلُ فِي الْعِدَّةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ بِطَلَاقٍ فَقَدْ صَدَقَ فِيهِ حَدُّ الْعِدَّةِ وَإِنْ كَانَ بِفَسْخٍ مِنْ الْحَاكِمِ فَكَذَلِكَ (قُلْتُ) الْمُدَّةُ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِالدُّخُولِ فِي الِاسْتِبْرَاءِ الْمُدَّةُ الَّتِي قَبْلَ وُجُودِ فُرْقَةِ اللِّعَانِ وَهِيَ مُدَّةُ الْحَيْضَةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ الثَّلَاثِ الَّتِي يَعْتَمِدُ عَلَيْهَا الْمُلَاعِنُ كَمَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي بَعْدَ الْفُرْقَةِ فَهِيَ عِدَّةٌ كَمَا ذَكَرَ فِي السُّؤَالِ دَاخِلٌ فِي رَسْمِ الْعِدَّةِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قُلْتَ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِي النِّكَاحِ الثَّالِثِ إذَا أَسْلَمَتْ نَصْرَانِيَّةٌ تَحْتَ نَصْرَانِيٍّ فُسِخَ نِكَاحُهَا وَاعْتَدَّتْ فَأَطْلَقَ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ عِدَّةً وَالْحَدُّ يَصْدُقُ عَلَيْهَا وَلَيْسَ بِاسْتِبْرَاءٍ (قُلْتُ) رَأَيْت لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ بِنَفْسِهَا أُورِدَتْ عَلَى الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمَنَعَ أَنَّ ذَلِكَ عِدَّةٌ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَيْهَا مَجَازًا وَاسْتَشْهَدَ بِمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كِتَابِ الْعِدَّةِ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ (فَإِنْ قُلْتَ) الْعِدَّةُ تَكُونُ بِالْأَقْرَاءِ وَالِاسْتِبْرَاءُ بِالْحِيَضِ أَمَّا حَيْضَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ ثَلَاثٌ فِي الْحُرَّةِ وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بِحَيْضَتَيْنِ (قُلْتُ) وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إذَا تَزَوَّجَتْ أَمَةٌ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهَا وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ فَفَسَخَ النِّكَاحَ بَعْدَ الْبِنَاءِ لَمْ يَمَسَّهَا إلَّا بَعْدَ حَيْضَتَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ قَالَ وَاسْتِبْرَاؤُهَا حَيْضَتَانِ فَقَدْ صَيَّرَ اسْتِبْرَاءَ الزَّوْجَةِ هُنَا حَيْضَتَيْنِ وَذَلِكَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي حَدِّ الشَّيْخِ لِأَنَّهُ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَطْلَقَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءً فَهُوَ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ لَا مِنْ الْعِدَّةِ فَيَكُونُ رَسْمُ الشَّيْخِ غَيْرُ جَامِعٍ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ اسْتَشْكَلَ عِيَاضٌ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي إطْلَاقِ الِاسْتِبْرَاءِ فِيهَا وَقَالَ إنَّهُ لَفْظٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute