للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التَّسْمِيَةُ دَخَلَتْ التَّاءُ فِيهَا وَنَقَلَ عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خِلَافًا فِي اشْتِقَاقِهَا وَحَصَلَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ النَّخْلَةُ يُعِيرُهَا صَاحِبُهَا زَمَانًا ثُمَّ غَلَبَ فِي الشَّرْعِ عُمُومُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي ثَمَرِ النَّخْلِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَيْبَسُ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَا قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ يُعَمِّمُ اللَّفْظَ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَدْلُولِهِ لُغَةً وَالْغَالِبُ عَكْسُهُ وَقَوْلُهُ " مَا مُنِحَ " أَيْ أُعْطِيَ وَهُوَ عَامٌّ فِي الثَّمَرِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ خُصِّصَ ذَلِكَ بِالثَّمَرِ ثُمَّ خُصِّصَ ذَلِكَ بِمَا يَيْبَسُ فَدَخَلَ فِيهِ ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبُ وَالتِّينُ وَغَيْرُ ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ) الْمَذْهَبُ وَغَيْرُهُ اخْتَلَفَ هَلْ يَقْصُرُ ذَلِكَ عَلَى النَّخْلِ وَالْعِنَبِ أَوْ عَلَى مَا يَخْرُصُ أَوْ عَلَى مَا يَيْبَسُ وَيُدَّخَرُ وَقَدْ خَصَّصَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - رَسْمَهُ بِمَا ذُكِرَ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُ رَسَمَ ذَلِكَ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَكَثِيرًا مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْمَازِرِيِّ يُخَالِفُ حَدَّهُ لِعُمُومِهِ فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ وَمُغَايِرٌ لَهُ فِي لَفْظِ الْهِبَةِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَاصِرٌ عَلَى ثَمَرِ النَّخْلِ وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ الْبَاجِيِّ مُخَالِفٌ فِي الْهِبَةِ وَفِي الثَّمَرَةِ فَإِنَّهُ صَيَّرَ الْعَرِيَّةُ النَّخْلَةَ وَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - (قُلْتُ) إطْلَاقُ الرِّوَايَاتِ بِإِضَافَةِ الْبَيْعِ إلَيْهَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا الْإِعْطَاءَ أَوْ النَّخْلَ إشَارَةً إلَى رَدِّ قَوْلِ الْمَازِرِيِّ فِي كَوْنِهِ صَيَّرَهَا هِبَةً وَرَدَّ عَلَى مَنْ سَمَّاهَا نَخْلَةً بِأَنَّ إطْلَاقَ الرِّوَايَاتِ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ تَكُونَ الْعَرِيَّةُ مَا مُنِحَ مِنْ الثَّمَرِ لَا إعْطَاءُ الثَّمَرِ وَلَا النَّخْلَةُ لِأَنَّ مُتَعَلِّقَ الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْمَمْنُوحُ مِنْ الثَّمَرِ بَدَلٌ شَرْعًا عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ هِيَ ذَلِكَ كَمَا حَدَّ بِهِ لَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرُوهُ (فَإِنْ قُلْتَ) إذَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مَا ذَكَرَهُ عَنْ سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفَسَّرَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ نَخْلٌ تُوهَبُ فَقَدْ صَحَّ التَّفْسِيرُ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ وَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا وَجَدَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ تَأَوَّلْنَا كَلَامَهُمْ عَلَى الْمَجَازِ عَلَى حَذْفٍ فَيُقَالُ بَيْعُ ثَمَرِ الْعَرِيَّةِ لِأَجْلِ الرُّجُوعِ إلَى أَصْلِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ (قُلْتُ) لَمَّا كَانَ الْأَثَرُ مَوْقُوفًا وَوَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ اخْتِلَافٌ فِي الْإِطْلَاقَاتِ رَجَعْنَا إلَى تَحْقِيقِ إطْلَاقَاتِ الْفُقَهَاءِ فِي كُتُبِهِمْ وَمَا تَوَاطَئُوا عَلَيْهِ فِي اصْطِلَاحَاتِهِمْ فَلَمَّا عَبَّرُوا فِي مَقَامِ التَّحْقِيقِ بِمَا ذُكِرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ فَهِمُوا مَا ذُكِرَ (فَإِنْ قُلْتَ) كِتَابُ الْعَرِيَّةِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرِهَا يَذْكُرُونَ مِنْهُ الْعَرِيَّةَ وَبَيْعَ الْعَرِيَّةِ وَتَشَاغَلَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالْعَرِيَّةِ وَلَمْ يُعَرِّفْ بَيْعَ الْعَرِيَّةِ.

(قُلْتُ) الْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا عَرَّفَ الْعَرِيَّةَ فَإِنَّهُ يُعْلَمُ مِنْهُ بَيْعُ الْعَرِيَّةِ مَعَ إضَافَةِ لُزُومِ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِهَا وَفِيهِ بَحْثٌ فَيُقَال فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بَيْعُ الْمُعْرِي مَا مُنِحَ مِنْ ثَمَرٍ يَيْبَسُ لِلْمُعْرَى بِخَرْصِهِ ثَمَرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِغَيْبِهِ وَهُوَ الْمُوَفِّقُ.

<<  <   >  >>