للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ

كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ

ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ اسْتِعْمَالُ رَجُلٍ رَجُلًا فِي نَخْلٍ أَوْ كَرْمٍ يَقُومُ بِإِصْلَاحِهِمَا لِيَكُونَ لَهُ سَهْمٌ مَعْلُومٌ مِنْ غَلَّتِهِمَا وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ فِيهِ قُصُورٌ عَنْهَا فَإِنَّهَا أَعَمُّ فَيَكُونُ فِي الشَّرْعِ تَعْمِيمٌ لِمَا خَصَّصَهُ فِي اللُّغَةِ وَوَقَعَ فِي لَفْظِ عِيَاضٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ السَّقْيِ لِلثَّمَرَةِ؛ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ عَمَلِهَا وَهَذَا مُغَايِرٌ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَنَفَعَ بِهِ فِي حَقِيقَتِهَا " عَقْدٌ عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ النَّبَاتِ بِقَدْرٍ لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ لَا بِلَفْظِ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ جُعْلٍ " فَقَوْلُ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - " عَقْدٌ " صَيَّرَ جِنْسَهَا الْعَقْدَ وَلَمْ يُعَيِّنُ ذَلِكَ فِي الْقِرَاضِ وَلَعَلَّهُ رَأَى أَنَّهَا عَقْدٌ لَازِمٌ بِالْقَوْلِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ الْقِرَاضِ؛ لِأَنَّهُ مُنْحَلٌّ قِيلَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ نِزَاعٌ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمَشَائِخِ وَهَذَا يَتَمَشَّى عَلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي اللُّزُومَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ أَعَمُّ، قَوْلُهُ " عَلَى عَمَلِ مُؤْنَةِ " أَخْرَجَ بِهِ عَقْدَ حِفْظِ مَالٍ أَوْ التَّجْرَ بِهِ قَوْلُهُ " مُؤْنَةِ النَّبَاتِ " أَخْرَجَ بِهِ مُؤْنَةَ الْمَالِ وَعَمَّمَ النَّبَاتَ فَظَاهِرُهُ أَيَّ نَبَاتٍ كَانَ سَقْيًا أَوْ بَعْلًا، قَوْلُهُ " بِقَدْرٍ " مَعْنَاهُ بِعِوَضٍ كَمَا قِيلَ فِي الْحَدِّ الثَّانِي فِي الْقِرَاضِ قَوْلُهُ " لَا مِنْ غَيْرِ غَلَّتِهِ " عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ بِعِوَضٍ مِنْ غَلَّتِهِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءُ الْمُسَمَّى مِنْ الْغَلَّةِ ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ أَوْ غَيْرُهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَجَعَلَهُ مِنْ الْمُسَاقَاةِ.

(فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ غَيَّرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْعِبَارَةَ فِي عِوَضِ الْمُسَاقَاةِ مَعَ عِوَضِ الْقِرَاضِ فَقَالَ فِي الْقِرَاضِ بِجُزْءٍ وَقَالَ هُنَا بِقَدْرٍ (قُلْت) ، أَمَّا الْحَدُّ الْأَوَّلُ فِي الْقِرَاضِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ أَخْرَجَ عَنْهُ مِثْلَ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي أَدْخَلَهَا فِي الْمُسَاقَاةِ فَنَاسَبَ التَّعْبِيرَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى النِّسْبَةِ مِنْ رِبْحِ الْمَالِ وَلَمَّا جَوَّزَ إدْخَالَ الصُّورَةِ الْمُخْرِجَةِ فِي الْقِرَاضِ عَبَّرَ بِمَا يَعُمُّ الْجُزْءُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْعِوَضُ وَكَذَا هُنَا عَبَّرَ بِالْقَدْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنِّي كُنْت أُوَجِّهُهُ بِهَذَا.

(فَإِنْ قُلْت) لِأَيِّ شَيْءٍ ذَكَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الرَّسْمَيْنِ فِي الْقِرَاضِ وَهُنَا أَتَى بِمَا يُنَاسِبُ الْحَدَّ الثَّانِيَ فَقَطْ وَجَزَمَ بِإِدْخَالِ الصُّورَةِ

<<  <   >  >>