للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جِنْسٌ وَلَمَّا كَانَتْ الصَّلَاةُ حَرَكَاتٍ وَسَكَنَاتٍ وَأَفْعَالًا قُصِدَ بِهَا التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَتَى بِمَا يُنَاسِبُ الْمَقُولَةَ وَقَوْلُهُ " فِعْلِيَّةٌ " احْتِرَازًا مِنْ الْعَدَمِيَّةِ كَالصِّيَامِ فِي حَدِّهِ الْأَوَّلِ أَوْ حَبْسُ النَّفْسِ عَنْ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ لَيْسَتْ فِعْلِيَّةً وَيَدْخُلُ فِيهِ حَجُّ الْبَيْتِ وَالصَّدَقَةُ لِلَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ ذَلِكَ كَإِمَاطَةِ الْأَذَى وَزِيَارَةُ الْمَرْضَى وَذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ يَخْرُجُ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْنَا وَسَائِرُ الْقِرَابَاتِ الْفِعْلِيَّةِ وَقَوْلُهُ " ذَاتُ " أَيْ لَازِمٌ لَهَا إحْرَامٌ وَسَلَامٌ - ثُمَّ قَالَ - " أَوْ سُجُودٌ فَقَطْ " يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا عَطْفًا عَلَى ذَاتٍ وَأَنْ يَكُونَ مَخْفُوضًا عَطْفًا عَلَى إحْرَامٍ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَزَادَهُ " - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِيَدْخُلَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ كَمَا أَنَّهُ تَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِذِكْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَقَوْلُهُ " فَقَطْ " كَلِمَةٌ تُذْكَرُ لِلِانْتِهَاءِ عَنْ الزِّيَادَةِ وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ أَيْ انْتَهِ عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى لَفْظِ السُّجُودِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَتَدْخُلُ الْفَاءُ عَلَيْهَا فَقِيلَ زَائِدَةٌ وَعَلَيْهِ مَضَى ابْنُ هِشَامٍ وَقِيلَ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ وَعَلَيْهِ مَضَى التَّفْتَازَانِيُّ وَقِيلَ عَاطِفَةٌ نَقَلَهُ الدَّمَامِينِيُّ فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَكَأَنَّ الشَّيْخَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ أَوْ قُرْبَةٌ هِيَ السُّجُودُ أَوْ ذَاتُ سُجُودٍ لَا زِيَادَةَ عَلَيْهِ بَلْ قُرْبَةُ سُجُودٍ مُنْفَرِدٍ إذَا فَعَلَ فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) مَا سِرُّ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِقَوْلِهِ فَقَطْ وَهَلَّا قَالَ أَوْ سُجُودٍ (قُلْنَا) هَذَا مِنْ مَحَاسِنِ إدْرَاكِ الشَّيْخِ وَاخْتِصَارِهِ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنْ يَكُونَ حَدُّهُ جَامِعًا مَانِعًا فَزَادَ أَوْ سُجُودٌ لِيَقَعَ الْجَمْعُ فِي أَفْرَادِ مَاهِيَّةِ الصَّلَاةِ فَلَوْ لَمْ يُزَدْ قَيْدٌ فَقَطْ فَقَدْ يُقَالُ حَافَظَ عَلَى طَرْدِهِ فَأَخَلَّ بِمَنْعِهِ لِأَنَّ سُجُودًا مِنْ سُجُودِ الصَّلَاةِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ سُجُودٍ وَلَيِسَتْ بِصَلَاةِ سُجُودِ تِلَاوَةٍ بَلْ هُوَ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ جُزْءٌ مِنْ قُرْبَةٍ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ صَلَاةً لِصِدْقِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فَزَادَ مَا يَخْرُجُ بِهِ مَا أُورِدَ عَلَيْهِ فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ مَحَاسِنِهِ وَحُسْنِ اخْتِصَارِهِ وَجَمْعِهِ وَمَنْعِهِ وَرَسْمِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَبَّرَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ وَأَخْرَجَ بِهَا مَا ذُكِرَ وَثَمَّ مِنْ الْعِبَارَةِ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا فِي الْإِخْرَاجِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ أَوْ سُجُودٌ وَحْدَهُ (قُلْتُ) كَلِمَةٌ فَقَطْ أَخْصَرُ مِنْهَا (فَإِنْ قُلْتَ) فِي كَلَامِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - التَّرْدِيدُ فِي الْحَدِّ وَهُوَ مُنَافٍ لِلتَّحْدِيدِ كَمَا قَدَّمْنَا (قُلْتُ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ التَّرْدِيدُ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ لَا فِي الْحَدِّ وَفِيهِ بَحْثٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ أَوْ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ وَلَا مَانِعَ (فَإِنْ قُلْتَ) الْقُرْبَةُ وَالْعِبَادَةُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ هُمَا مُتَغَايِرَانِ (قُلْتُ) يَظْهَرُ أَنَّهُمَا مُتَقَارِبَانِ فَإِنَّ الْقُرْبَةَ بِمَعْنَى التَّقَرُّبِ إلَى طَلَبِ الْقُرْبِ

<<  <   >  >>