قُلْتَ) كَيْفَ يَصِحُّ مَا ذَكَرْته وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّهَادَةُ كَالشَّمْسِ وَإِلَّا فَدَعْ وَالتَّشْبِيهُ يَدُلُّ عَلَى الْقَطْعِ.
(قُلْتُ) التَّشْبِيهُ يَدُلُّ عَلَى وُضُوحِ الْمَشْهُودِ بِهِ وَتَمْيِيزِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ لَا عَلَى خُصُوصِيَّةِ مَا وَقَعَ فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ مِنْ الْعِلْمِ فِي عَيْنِ الْيَقِينِ وَلَوْ فُهِمَ عَلَى ذَلِكَ لَبَطَلَتْ شَهَادَاتُ كَثِيرَةٌ كَالشَّهَادَةِ بِالْقِيمَةِ وَالشَّهَادَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَالْأَنْمَاطِ وَغَيْرِهَا وَالْحِيَازَاتِ وَالْمِلْكِ (فَإِنْ قِيلَ) تَفْسِيرُ التَّحَمُّلِ بِعِلْمِ مَا يَشْهَدُ بِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَتَحَمَّلُ وَيَصِحُّ التَّحَمُّلُ إلَّا إذَا حَصَلَ الْعِلْمُ حِينَ تَحَمَّلَ الْمُتَحَمِّلُ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ إنَّ التَّحَمُّلَ يُتَسَامَحُ فِيهِ فَقَدْ يَشْهَدُ فِيهِ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ وَلَا يَقَعُ الْأَدَاءُ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُ فَكَيْفَ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُنَا مَعَ هَذَا (قُلْتُ) مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الْأَصْلُ وَإِنَّمَا أَجَازُوهُ تَشْدِيدًا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ لَكِنَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ فِي حَدِّ الْأَدَاءِ بَعْدُ فِيمَا ظَهَرَ لَنَا جَارٍ عَلَى كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ فَهُوَ يُنَافِرُ مَا هُنَا فَانْظُرْهُ بَعْدُ قَوْلُهُ " بِسَبٍّ اخْتِيَارِيٍّ " قَالَ الشَّيْخُ يُخْرِجُ عَنْهُ عِلْمَهُ دُونَ اخْتِيَارٍ كَمَنْ قَرَعَ سَمْعُهُ صَوْتَ مُطْلَقٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَمَّى تَحَمُّلًا وَالْعِلْمُ جِنْسٌ وَقَوْلُهُ " مَا يَشْهَدُ بِهِ " فَصْلٌ أَخْرَجَ بِهِ مَا لَا يَشْهَدُ بِهِ كَالْعِلْمِ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَةً بِشَهَادَةٍ.
(فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يُنَاقَشُ الرَّسْمَ الْمَذْكُورُ بِمِثْلِ قَوْلِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا شَابَهَهُ إذَا عَلِمَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ الْعِلْمُ بِالتَّوْحِيدِ وَالْعِلْمُ بِالتَّوْحِيدِ سَبَبٌ اخْتِيَارِيٌّ وَشَهِدَ بِهِ فَيَصْدُقُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعِلْمِ الرَّسْمُ الْمَذْكُورُ (قُلْتُ) لَا يَصِحُّ وُرُودُ مِثْلِ ذَلِكَ فِيمَا يَظْهَرُ لِقَرِينَةٍ تُخْرِجُهُ وَهِيَ تَحَمُّلُ مَا يُؤَدِّيهِ عِنْدَ قَاضٍ مِنْ حُقُوقٍ لِلَّهِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَقَوْلُهُ بِاخْتِيَارِهِ يَدْخُلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمُخْتَفِي وَغَيْرِهِ (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبْلَ هَذَا عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى الشَّاهِدِ فِي وَضْعِ شَهَادَتِهِ عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ تَحَمُّلِهِ وَأَمَّا عِنْدَ أَدَائِهِ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَّا بِمَا عَلِمَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فِي الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُنَا التَّحَمُّلُ عِلْمٌ إلَخْ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا تَحَمَّلَ بِهِ الْعِلْمُ بِالْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.
(قُلْتُ) هَذَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَالتَّحْقِيقُ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ أَنَّ الشَّاهِدَ لَا بُدَّ أَنْ يَعْتَمِدَ فِيمَا جَرَى بِهِ الْعَمَلَ عَلَى مَا يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ أَوْ الظَّنُّ الْقَوِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ رُشْدٍ إنَّمَا هُوَ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَلِكَ ذَكَرُوا أَوْجُهًا يَصِحُّ اعْتِمَادُ الشَّاهِدِ عَلَيْهَا وَأَوْجُهًا لَا يَصِحُّ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فَإِذَا قَالَ عُرِفَ بِهِ فُلَانٌ فَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute