للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولابن الشروي ضمن قصيدة فيما ذكر ابن شاكر الكتبي في «عيون التواريخ» (٢٠/١٤٠-١٤١) :

وانزل على بغداد وانْدُب أهلَها ... دار السلام وقل عليك سلامُ

فإذا رأيتَ وقد عفّت من أهلها ... واعتادها بعد الضياء ظلامُ

فانشد هناك وقل بقلب والهٍ ... يا دارُ ما صنعتْ بك الأيامُ

ويلاه! يا بغدادُ أورثتِ الحشا ... ناراً لها بين الضّلوع ضرامُ (١)

قال أبو عبيدة: تأمل قوله: «فعبروا دجلة، فلما تجاوزوا قنطرة باب البصرة بفرسخ واحد رأوا عساكر المغول قد أقبلت كالجراد المنتشر، ... » .

وهذا التطابق مع حديث أبي بكرة المرفوع: «ينزل ناس من أمتي بغائط يسمونه البصرة عند نهر يقال له: دجلة، يكون عليه جسر يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين، فإذا كان في آخر الزمان جاء بنو قنطورا، عراض الوجوه، صغار الأعين، حتى ينزلوا على شط النهر» . والحديث حسن، كما سبق بيانه بالتفصيل (٢) .


(١) ما الذي هاج في نفسي عند قراءة هذه الأبيات؟! لقد نشر أمام عيني ما انطوى من ذكريات بغداد، وما مات من أيامها، وما نال أصحابها من أذى وضر، لقد ظلمكِ يا بغداد مَن سَمَّاكِ دار السلام، فأين السلام يا مَنزِل القواد والخلفاء، والمحدثين والفقهاء، والزهاد والأتقياء، والمغنين والشعراء، والمجان والظرفاء؟! لقد قال لك السلام: الوداع يا بغداد، يا موئل العربية، ويا قبة العرب، ويا مثابة العلم والتقى، واللهو والفسوق، والمجد والغنى، والفقر والخمول، يا دنيا فيها من كل شيء! نعم، السلام عليك من السلام، لقد غُلبتِ، ولم ينتصر عليك عدوكِ بسلاحهم، ولكن هدم أصحابُكِ مجدهم بأيديهم، كانوا يضربون بعضهم بعضاً، وكانوا يسلطون بعضنا على بعض! هل كان يُغلَب المسلمون أو يستسلمون لولا أن وجد أعداؤنا أناساً منا يعينوهم علينا، هل كانوا يُغلبون لولا الخائنون؟! لا تقل: جرأة، قُدرة ... ! فإنها تحتاج إلى حق وحنكة! وقل لي بربك: ما قيمة المقدرة إذا لم تكن مسخرة للحق؟! هل يسرق اللص، ويرسم الخطط للسرقة، ويقتل القاتل، ويعدّ العدّة للقتل، إلا وهو قدير؟! فلا قيمة للقدرة وحدها، إن لم تكن معها دين وحق ورحمة وفضيلة.
(٢) انظر: (ص ٣١٠، ٣١٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>