التي ذكروا ذلك فيها، وأن يذكر مواضعها من صفحات الكتب، ولن يجد إلى ذلك سبيلا.
وقد ذكرت في أول الكتاب عددًا كثيرًا من الأئمة الذين رووا بعض الأحاديث الواردة في المهدي وخرجوها في كتبهم المعتمدة عند المسلمين، وذكرت أيضًا عددًا كثيرًا من أكابر العلماء الذين صححوا بعض أحاديث المهدي، ومن قال منهم إنها متواترة، فليراجع ذلك في أول الكتاب (١)، ففيه أبلغ رد على ما ألصقه ابن محمود بالعلماء المتقدمين، فأما العلماء المتأخرون، فجمهورهم على طريقة العلماء المتقدمين؛ يرون أن بعض الأحاديث الواردة في المهدي ثابتة، ويقابلونها بالقبول والتسليم، وإنما شذ عنهم أفراد قليلون من العصريين، الذين هم سلف ابن محمود في رد الأحاديث الثابتة في المهدي؛ ومنهم رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، ولهم أمثال من العصريين الذين لا يبالون برد الأحاديث الثابتة إذا كانت مخالفة لآرائهم وتفكيرهم الفاسد، وهؤلاء لا يستغرب منهم الاستخفاف بأحاديث المهدي، ولا يستغرب منهم ردها وإطراحها، والقول بأنها مزورة على الرسول - صلى الله عليه وسلم - من قبل الزنادقة الكذابين، فقد رد بعضهم ما هو أعظم منها؛ مما هو ثابت في الصحيحين وغيرهما من أحاديث الفتن، وأشراط الساعة، وخوارق الأنبياء ومعجزاتهم، ومن طالع كتب العصريين وتعليقاتهم على الكتب رأى في بعضها الشيء الكثير من رد الأحاديث الثابتة وإطراحها.
الوجه الثاني: أن يقال: أما الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي فليست مزورة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس للكذابين علاقة بها، وليس في رواتها أحد من المغفلين الذين يقبلون التلقين، ومن زعم أنها مزورة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه فهو صاحب الزور والبهتان العظيم على الحقيقة، وكذلك الأحاديث الضعيفة المنجبرة وهي التي تصلح للاستشهاد بها، فليست مزورة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان في أسانيدها بعض الضعفاء؛ لأنه يحتمل أن تكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولأن الأحاديث الثابتة تشهد لها أو لبعضها، وما شهدت له الأحاديث الثابتة فليس بمزور، وإنما المزور ما يكون من طريق بعض الوضاعين، وليس في رواة الأحاديث الثابتة في المهدي ولا في رواة الأحاديث الضعيفة المنجبرة أحد من الوضاعين، فالحكم عليها بالوضع والتزوير من أكبر الخطأ وأعظم الزور.