التي ستكون لرجال من أهل الدنيا وهم الآن في عالم الغيب، فمن لم يصدق بما جاء في الكتاب والسنة من أنباء الغيب، مما مضى وما سيكون في الدنيا وفي الدار الآخرة، فهو مخالف لهدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه، وليس بمؤمن.
وإذا علم هذا، فليعلم أيضًا أنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر عن المهدي أنه يفعل شيئًا مما يوجب الاختلاف والاضطراب بين الأمة كما زعم ذلك ابن محمود، وإنما أخبر عنه بما يوجب الائتلاف والطمأنينة بين الأمة، فقال في حديث أم سلمة -رضي الله عنها-: «فيقسم بين الناس فيئهم، ويعمل فيهم بسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض». وقد تقدم في أول الكتاب (١) قول الخطابي: "إنه ضرب الجران مثلا للإسلام إذا استقر قراره، فلم تكن فتنة ولا هيج، وجرت أحكامه على العدل والاستقامة". انتهى.
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عليٌّ وابن مسعود وأبو سعيد الخدري -رضي الله عنهم- أن المهدي يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، وأخبر عنه في بعض الروايات عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن الله يسقيه الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويعطي المال صحاحًا، وتكثر الماشية، وتعظم الأمة، ففي هذه الأحاديث الصحيحة أبلغ رد على مجازفات ابن محمود.
وقال ابن محمود في صفحة (٣٢): "وبما أنني من أحد الأشراف من ذرية الحسن بن علي، فإنه لو خرج رجل من الأشراف اسمه محمد بن عبد الله وهو أجلى الجبهة أقنى الأنف ويدعي أنه المهدي فإنني أول من يقاتله؛ لاعتقادي أنه كذاب يريد أن يفسد الدين ويشق عصا المسلمين، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«من أتاكم وأمركم جميع يريد أن يفرق جماعتكم فاقتلوه» ".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن المهدي لا يخرج في حين اجتماع المسلمين على أمام واحد، وإنما يخرج في حين تفرق المسلمين واختلافهم فيجتمع المسلمون عليه، ويملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، فليس ينطبق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من آتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه».
وأيضًا فإن المهدي لا يطلب الأمر لنفسه ابتداء مدعيًا أنه المهدي كما يفعله ...........