للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جاءت به الأخبار الثابتة، فكل ذلك حق يجب الإيمان به، سواء ذكر في كتب العقائد أولم يذكر.

الوجه الثاني: أن يقال: قد ذكر غير واحد من العلماء في عقائدهم أنه يجب الإيمان بكل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا يشمل ما ذكروه في عقائدهم وما لم يذكروه، قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في "العقيدة الواسطية": "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتِّباع آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - باطنًا وظاهرًا" انتهى.

وقال شارح العقيدة الطحاوية: "لا ريب أنه يجب على كل أحد أن يؤمن بما جاء به الرسول إيمانًا عامًا مجملا"، وقال الطحاوي: "فإنه ما سلم في دينه إلا من سلّم لله -عز وجل- ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وردّ علم ما اشتبه عليه إلى عالِمِه"، قال شارح العقيدة الطحاوية: "أي سلَّم لنصوص الكتاب والسنة، ولم يعترض عليها بالشكوك والشبه والتأويلات الفاسدة"، وقال الشارح أيضًا: "الواجب كمال التسليم للرسول - صلى الله عليه وسلم -، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن نعارضه بخيال باطل، نسميه معقولا، أو نحمله شبهة أو شكا، أو نقدم عليه آراء الرجال وزبالة أذهانهم، فنوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما نوحد المُرسِل بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما؛ توحيد المُرسِل، وتوحيد متابعة الرسول، فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يوقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفَّذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة فوضه إليهم وأعرض عن أمره وخبره، وإلا حرَّفه عن مواضعه وسمَّى تحريفه تأويلا وحملا، فقال نؤوله ونحمله.

فلأن يلقى ربه بكل ذنب ما خلا الإشراك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال، بل إذا بلغه الحديث الصحيح يعد نفسه كأنه سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهل يسوغ أن يؤخر قبوله والعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وكلامه ومذهبه؟ بل كان الفرض المبادرة إلى امتثاله من غير التفات إلى سواه، ولا يستشكل قوله لمخالفته رأي فلان، بل يستشكل الآراء لقوله، ولا يعارض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتتلقى نصوصه، ولا يحرف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولا، نعم هو مجهول، وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبوله على موافقة فلان دون فلان كائنًا من كان".

<<  <   >  >>