وأما قوله: ولا من أحاديث أحكامهم وأمور حلالهم وحرامهم.
فجوابه: أن يقال: إن الإيمان بأنباء الغيب من عقائد المسلمين، والأحاديث التي تتعلق بالعقائد ويعتمد عليها أهل العلم، ليست مبنية على التساهل وإدخال الزيادات والمدرجات والتحريفات وما يدخله الكذب كما قد توهم ذلك ابن محمود، وإنما هي من جنس أحاديث الأحكام وأمور الحلال والحرام، يتثبت فيها أهل العلم وينقدونها ويعتمدونها على ما كان صحيحًا منها أو حسنًا، ويتركون ما سوى ذلك.
وقال ابن محمود في صفحة (٣٤): "وفي القرن التاسع لما كثر المُدَّعون للمهدي، وثارت الفتن بسببه كما ذكرها المسعودي في تاريخه، فعند ذلك اضطر بعض المحققين من العلماء أن ينقدوا أحاديث المهدي؛ ليعرفوا قويها من ضعيفها وصحيحها من سقيمها، فتصدى ابن خلدون في مقدمته لتدقيق التحقيق فيها، فنخلها ثم نثرها حديثًا حديثًا وبين عللها كلها، وأن من رواتها الكذوب ومنهم المتهم بالتشيع والغلو، ومنهم من يرفع الحديث إلى الرسول بدون أن يتكلم به الرسول، ومنهم من لا يحتج به، وخلاصته أنه حكم على أحاديث المهدي بالضعف".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن المسعودي المؤرخ كان في آخر القرن الثالث من الهجرة وأول القرن الرابع، وكانت وفاته في سنة ست وأربعين وثلاث مائة، وعلى هذا فهل يقول عاقل: إن المسعودي قد ذكر في تاريخه ما جرى في القرن التاسع من كثرة المدعين للمهدية، وما ثار بسببهم من الفتن؟ كلا، لا يقول ذلك من له أدنى مسكة من عقل. وليس المسعودي يعلم الغيب حتى يخبر عما يكون بعده بخمسة قرون، وهذا الوهم من أغرب الأوهام، وهو مما حصل لابن محمود بعد توسعه في العلوم والفنون.
الوجه الثاني: أن يقال: إن منخل ابن خلدون الذين نخل به أحاديث المهدي كان واسع الخروق جدًا، ولم يكن مضبوطًا ومحكمًا، فلهذا نخل به كثيرًا من الصحاح والحسان الواردة في المهدي، ولم يستثن منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه، وقد خالف بهذا العمل ما قاله كثير من أكابر أئمة الحديث ونقاده، وقد ذكرت تصحيحهم لبعض أحاديث المهدي وتحسينهم ...........................